| رندلى جبور |
وطنٌ هو “وقف الله” لا يزول، ولكن يجب قول الحقيقة جهاراً: الدولة سقطت!
دولة بلا رئيس للجمهورية، وحين كان فيها رئيس قوي وإصلاحي انقلبوا عليه، هي دولة ساقطة.
ودولة بمجلس نواب يشرّع على القطعة السياسية وبأوامر خارجية وخلافاً للدستور، ويمتنع عن التشريع أو الانتخاب من أجل الشعب، و”يضبّ” في جواريره كل اقتراح إصلاحي، هي دولة ساقطة.
ودولة بمجلس وزراء تصريف أعمال يجتمع خلافاً للدستور، ويتخذ قرارات خلافاً للدستور وآخرها تعيين رئيس أركان بلا اقتراح من وزير الدفاع وبلا توقيعه، ويختزل كل الدولة بـ”بزنس مان”، هي دولة ساقطة.
ودولة بقائد جيش ممدد له بخرق فاضح للنصوص، عدا علامات الاستفهام الكثيرة التي تُطرح على أداء هذا القائد في إدارة المؤسسة التي يرزح عسكريوها تحت خط الفقر وطبيعة علاقاته في الداخل والخارج، هي دولة ساقطة.
ودولة منهارة اقتصادياً ومالياً، ورواتب موظفيها لا تصل إلى الحد الادنى في أدنى دولة مرتبةً في العالم، هي دولة ساقطة.
ودولة يحكمها الفاسدون واللصوص إياهم، المتجذّرون في كل مفاصلها حتى النخاع الشوكي الذي ضُرب وبات مشلولاً، هي دولة ساقطة.
ودولة، الجزء الكبير من قضائها مرتهن لبعض السياسيين ويصدر أحكامه باسم الشعب ولكنها في الحقيقة ضد هذا الشعب، ويتنازل عن صلاحياته في ملاحقة مَن سرقنا ومن غشّنا ومن استفاد من مقدرات الدولة ومن أموالنا ليمارس فنون “حب الحياة” الخاصة به على حسابنا، ويترك أسئلة كبرى بلا أجوبة، هي دولة ساقطة.
ودولة رجال دينها يشتغلون بالسياسة الضيقة ولا يقومون بأفعال جدية من أجل الرعية، هي دولة ساقطة.
ودولة بعض إعلامها يقبض ليقول ما يجب قوله بدلاً من حمل قضايا الحق والنطق بالحقيقة، ويشيطن الجيد ويقدّس السيء، هي دولة ساقطة.
ودولة بعض أحزابها لا تعيش إلا على النكايات والرهانات، وعلى أموال الخارج وأوامر السفارات، بغياب أي لغة “دولتية” أو مشروع إنقاذي أو طرح رؤيوي، هي دولة ساقطة.
ودولة مؤسساتها عاطلة من العمل وإذا ما عملت فوفق شريعة التنفيعات والتمريرات، هي دولة ساقطة.
ودولة شعبها إما مخدّر أو مضلل أو شريك بالخطايا، هي دولة ساقطة.
ودولة معظم شاباتها وشبابها وصلوا في دلالهم إلى حدّ عدم حمل أي مسؤولية أو قضية، وعدم ممارسة أي خدمة جماعية أو وطنية، وعدم التحسس تجاه ما يجري لأن هاتفه هو بخير وطعامه هو بخير ووسائل ترفيهه بخير، هي دولة ساقطة.
ودولة بلا ضمان أو أمان اجتماعي وبلا حماية شيخوخة وبلا تغطية صحية أو كهربائية أو مائية، و”بلا ولا شي”، هي دولة ساقطة.
الآن، وقد حصل الاعلان عن سقوط الدولة تلقائياً، ولو لم يقلها أحد بالحرف الواحد، يجب التفكير بماذا بعد.
وعلى الحريصين القليلين في هذا الوطن المتألم، إعلان حالة طوارئ طارئة، والتفكير الجدي والعميق في خطط عملية تطاول كل الميادين، الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والإعلامية والأمنية والعسكرية المؤسساتية وحتى الأخلاقية، ومناقشتها، كل من زاويته ونظرته، وصولاً إلى صياغة برنامج تنفيذي محدد بمهل زمنية، وموحد يحمي كل الطوائف في خصوصياتها وهواجسها ودورها وحضورها ضمن الوطن الرسالة على مساحته الكاملة، ويحافظ على الشعب متجذراً في أرضه بعيش هانئ وكريم، وبحرية غير فوضوية، ويعيد بناء الدولة من جديد على أسس سيادية ونظيفة، ويحاسب المرتهنين والفاسدين ويبحث في أزمات النظام وثغرات الدستور بعقلانية وحكمة وروح مدنية معاصرة، وكل ما عدا ذلك فمن الشرير الذي لن يأخذنا إلا إلى المزيد من السقوط مع أنه لم يعد هناك سقوط أعمق.
البداية هب من تعالي كل فريق عن حساباته الضيقة، والذهاب للقاء الآخر بروح منفتحة في حوارات متواصلة على مستوى عالٍ من حس الوطنية من أجل بداية جديدة.
ملاحظة: ان هذه الصرخة هي للحثّ وليست لليأس، والجميع مسؤول، كلٌّ من موقعه!