| غاصب المختار |
بات من الواضح أن عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية لا تتصل بعدم تفاهم القوى اللبنانية المحلية فقط، بل أيضاً نتيجة عدم تفاهم الدول المعنية بالوضع اللبناني، سواء أعضاء اللجنة الخماسية أو دول أخرى قريبة وبعيدة، على شخص الرئيس ودوره ومشروعه، ما يؤكد، بحسب قول مصدر نيابي مستقل لموقع “الجريدة”، ضرورة “لبننة” الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً بعدما أعلن أطراف اللجنة الخماسية عن ضرورة تفاهم اللبنانيين وأن دورهم هو دور مساعد ومسهّل لتوافق اللبنانيين، لكن من دون أن يقدموا أي اقتراحات عملية قابلة للتنفيذ. ففي زمن الانقسام الكبير لا تكفي التمنيات، والنصائح، وتحديد المواصفات العامة الافتراضية، ونقل التحذيرات من انهيارات إضافية في أوضاع البلد، فهي لا تطعم خبزاً ولا تحل مشكلة!
اللجنة الخماسية توصلت إلى قرار وقناعة بأن الحل لبناني بالدرجة الاولى، لكنها تُخفي عاملاً أساسياً وراء عدم توافق اللبنانيين، وهو ارتهان أغلبية القوى السياسية المحلية لدول معينة معروفة في الإقليم، وربطها كل مواقفها وخطواتها بما تراه الدول مصلحة لها في الصراع الدائر حول أي رئيس تريد للبنان، وأي مواصفات سياسية يفترض أن تتوافر فيه لمواكبة المرحلة المقبلة على المنطقة الملتهبة بالحروب من شرق المتوسط إلى بحور الخليج ومحيطه.
لا يكفي ما يُقال عن “مواصفات عامة” يتحدث بها كل المعنيين بالملف الرئاسي أنه يجب توافرها في الرئيس المقبل، من توجه إصلاحي وشفافية وعدم تورط بالفساد ورؤية اقتصادية… وسواها من صفات متوافرة بعددٍ لا بأس به من المرشحين المعلنين والمخفيين، ففي الجوهر المطلوب من الرئيس المقبل أن يحمل رؤية سياسية قريبة، أو حتى متماهية مع رؤية هذه الدول أو تلك من الدول المعنية بالوضع اللبناني، السياسي والاقتصادي، والأمني بشكل خاص، ومثل هذه المواصفات أو “الشروط” لو توافرت بمرشح أو أكثر، لا يمكنه تبنّيها علناً، بل إن ممارساته هي التي ستكون المعيار، وهي التي ستفرض طريقة تعامل القوى المحلية معه لاحقاً بعد انكشاف المستور، إذ تبدأ العلاقة معه بشكل، وتنتهي بشكل مختلف، كما حصل سابقاً.
ومن الصعب على رئيس مستقل وحيادي ـ إن وُجد ـ أن يُرضي كل الأطراف الداخلية والخارجية، لا سيما إذا كان يحمل توجهات ثابتة حول التعامل مع الملفات والقضايا الساخنة، مثل الاستراتيجية الدفاعية وسلاح المقاومة وإصلاح النظام السياسي الطائفي الذي هو سبب كل مشكلات البلد، والنظام الاقتصادي الريعي الذي يُلحق أفدح الأضرار بالطبقات الشعبية والفقيرة… وقضايا أخرى لا مجال لحصرها، وهي ملفات كبرى يختلف عليها الداخل والخارج.
لهذا، من الصعب توافق الداخل مع ذاته ومع الخارج على رئيس مستقل وحيادي وإصلاحي ورؤيوي وصاحب مشروع إنقاذي حقيقي. ولو تم التوافق على شخص بهذه المواصفات مرحلياً، سرعان ما سيدخل في خلافات مع هذا الطرف أو ذاك، عند التطبيق، إذا تعارض مشروعه مع مصالح النافذين والمؤثرين في النظام والحياة السياسية والعامة. والتجارب لا زالت ماثلة أمامنا منذ التسعينيات وحتى الآن.
لذلك فإن “اللبننة” لا تكفي، وتأثيرات الخارج ستبقى ضعيفة ما لم يقتنع الجميع بأن مثل هذا النظام السياسي المرتهن لمصالح أركانه وللخارج، وفي ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الساخنة، لا ينتج حلولاً!