| خلود شحادة |
مع ضجيج أصوات القذائف والصواريخ، يتمتم العارفون في بواطن السياسة اللبنانية بجمل غير مفهومة وكلمات متقاطعة، لكنهم يستدركون سريعاً بطرح سؤال “هل هذا الوقت المناسب لإنجاز تفاهم حول رئاسة الجمهورية في لبنان؟”.
يستبطن السؤال، أسئلة عدة، وكأن ثمة “تعويذة” تقفل النقاش حول الواقع اللبناني، فرئاسة الجمهورية هي واحدة من العناوين الكثيرة، التي يفترض أن تفتح الباب لملفات أخرى.
في الظاهر، ما يتم الحديث عنه هو “تفاهم مزدوج” حول رئاستي الجمهورية والحكومة.
وإذا كان هذا “التفاهم” المفترض، هو الصورة النهائية لما يدور من نقاشات في الكواليس والعلن، فإن الأهم هي “التعويذة” التي تبقي قصر بعبدا خاوياً.
تؤكد مصادر دبلوماسية لموقع “الجريدة”، أن الملف اللبناني يحتوي تعقيدات تتصل أساساً بجوهر النظام، وشكله، وطبيعة تركيبته، ودوره، وموقعه في المنطقة… ولا تقف المشكلة على خلاف سياسي بين هذا الفريق وذاك، وهذا ما استشعر به الفريق الدبلوماسي عقب لقاءاته المتعددة مع الأطراف السياسية على اختلافها.
وتشير المصادر، إلى أن أفكاراً طُرحت حول “إعادة تدوير” اتفاق الطائف، بما يهدئ بعض “الهواجس” في الشارع المسيحي الذي يطالب بـ “الفيدرالية”، بينما المطروح هو اللامركزية الموسعة، ويتجنّب ملامسة عنوان “الفيدرالية” بشكل صريح.
هذا “التجنّب” تمارسه قيادات الأحزاب، التي تدرك أن لا إمكانية في لبنان لتطبيق “الفيدرالية” بكل أشكالها، فتحاول القفز فوق ما أورده “الطائف” حول “اللامركزية الإدارية” باتجاه اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة.
إلا أن الملفت في الأمر، هو تقبل الأطراف السياسية الأخرى لهذا الطرح، وسعيها لوضعه في قالب تتقبله القاعدة الشعبية من ناحية، والواقع اللبناني من ناحية أخرى.
وتوضح هذه المصادر، أن ما يحصل حالياً من حركة دبلوماسية باتجاه لبنان، هي “حركة بلا بركة”، وهو أقرب إلى انشغال “مفتعل” بملف الرئاسة، مع إدراك هذه الوفود أن الظروف غير مؤاتية لوضع بنود التسوية في سلة واحدة.
وفعلياً، لا تتعدّى زيارات الموفدين العرب والدوليين، رحلة “سياحة وسفر” من وإلى لبنان، ولم تقدم أي جديد في إطار الملفات العالقة.
كما أن الأجواء توحي، بأن حركة السفير السعودي جاءت “بدلاً عن ضائع”، لاسترداد الملف من قطر، مما دفع بالسعودية إلى عقد اللقاء الخماسي في سبيل “استعادة” دورها في الملف اللبناني.
أما دور السفيرة الأميركية، فتم تفعيله بعد انكفاء اللاعب الفرنسي، مما أنتج تناغماً سعودياً ـ أميركياً، بموازاة التناغم الفرنسي ـ القطري الذي كان حاصلاً، علماً أن القطريين هم في داخل دائرة التأثير الأميركي.
هذا التناغم كان نتيجة الإحباط الفرنسي بعد تكرار فشلهم في حل الملفات اللبنانية العالقة، والإطاحة بالمسؤولين الذين كانوا يتولون الملف اللبناني في قصر الاليزيه.
هذه التطورات على الصعيد الدبلوماسي، تشير إلى محاولة إنجاز “صفقة” دولية ـ لبنانية. فبعد سقوط اقتراح المنطقة العازلة، بدأ الحديث عن منطقة “آمنة” عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وهذا ما يحتاج تسوية إقليمية لوقف الحرب، قد تربطها الوفود الدبلوماسية بحل ملف رئاسة الجمهورية، مما يجعل أسهم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ترتفع، بالإضافة إلى حلحلة ملف استخراج النفط والغاز من المياه اللبنانية.
ورغم كل هذه التحليلات، إلا أنه لا يوجد اقتراح عملي حتى اليوم يترجم هذا الكلام، إلا أن ما يرجّح إمكانية تحقق هذه القراءة، هو الواقع المأزوم الذي يعيشه الأميركي، إن كان على الصعيد الاقليمي وقلق البحر الأحمر والأزمة الاقتصادية العالمية، أو على الصعيد الداخلي قبيل الانتخابات الرئاسية واشتداد حالة التنافس بين المرشحين، مما يدفعها إلى حل الملف اللبناني، وتحقيق التسوية الأمنية عند الحدود، لتسجليها انتصار قبل الاستحقاق الانتخابي.
لكن الثابت الوحيد، أن لا إمكانية لأي خرق اليوم في الوضع اللبناني، والخرق الوحيد الذي تسمع أصداؤه هو انتهاكات العدو الإسرائيلي للقرارات الدولية، بمدافعه وطائراته وصواريخه.