موقف ميقاتي وأبعاده الخارجية

| غادة حلاوي |

في ظلّ التعطيل الذي تحوّل سمة عامة في المؤسسات مع الفراغ الآخذ في التوسع، تبدو الحكومة وحدها الفاعل في الحياة السياسية اليومية، رغم كونها حكومة مطوّقة بدءاً برئيسها نجيب ميقاتي الذي عليه أن يخوض معركة شرسة عقب أي جلسة حكومية أو قرار ينبثق منها. وجاء في آخر المعارك أنّ عليها أن تُقدم على ما عجزت عن فعله حكومات سبقتها، وهو حصرية قرار السلم والحرب، وعدم ربط غزة بلبنان، علماً أنّ الواقع غير ذلك تماماً، لكأنّه إن قال رئيسها عكس ذلك يُحدث تحولاً في مسار الأوضاع. تختلف التفسيرات لكلام ميقاتي بين من يتهمه بالتغطية على “حزب الله”، ومن يعتبره محاكاة للواقع بصرف النظر عما إذا كان صحيحاً أو غير صحيح.

لا يختلف اثنان على أنّ بعض الهجوم على رئيس الحكومة ليس إلا من باب الكيدية السياسية لرئيس حكومة متهم بمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية وإختصار الدولة بشخصه. في مكان ما يمكنه أن يكون الشمّاعة التي يعلّق عليها البعض فشله وسوء ادارته للأزمة بالتلطّي خلف الحكومة.

رغم كل المصائب التي تصيب البلد، تمّ تصوير موقف ميقاتي وكأنه دعوة للجهاد وفتح جبهة حرب كاملة. ردّة فعل تندرج في سياقه السياسي. يتفهم المطلعون على مواقف رئيس الحكومة أنّ جانباً من الهجوم عليه على صلة بالموقف من “حزب الله”، فهناك في لبنان من يرفض التلاقي مع “الحزب” على أي موقف أو سلوك حتى لو كان ايجابياً، فكيف وهو يخوض حرباً لم يقتنع فريق سياسي بخوضها؟ لكن في قناعة مقرّبين أنّ موقف رئيس الحكومة انما يصب في مصلحة لبنان بصدّ جبهة اسرائيل التي يمكن أن تشنّ حرباً على لبنان في أي لحظة تعويضاً عن خسارتها في ميدان غزة لولا الحرب التي يقودها “حزب الله”.

ربما خرج ميقاتي عن سلوك رؤساء الحكومات بالحديث الديبلوماسي، حيث كان المعتاد أن يقول رئيس الحكومة الموقف الذي يتقاطع فيه مع الجميع بينما تكون حقيقة الوضع مغايرة. رغم اقتناعه بموقفه اكتفى ميقاتي ببيانه، فهو مقتنع بأنّ موقفه وحكومته ساهم في تأمين شبكة الأمان والانتظام الداخلي، وهو لعب دوراً في تمرير القطوع الذي يمر فيه البلد. لا يعتبر أنّ الهجوم عليه كان في محله، فما قاله هو الحقيقة التي سلّم بها أطراف محلية ودولية بدليل السعي الدولي لإعادة الهدوء الى الجبهة الجنوبية مقابل تسوية شاملة، كما يقول المطّلعون على موقفه. ويدرج العارفون موقف ميقاتي في سياقه الطبيعي على المستوى الشخصي، وانطلاقاً من بيئته، اذ استطاع أن يوائم بين الموقف العام عروبياً واسلامياً وفلسطينياً وبين الواقع الداخلي، وموقفه لم يكن مستغرباً، فهل كان عليه أن يخرج شاهراً موقفاً عدائياً فيكون له وقعه على الحكومة وخارجها ويفتح على نقاشات وانشقاقات داخلية، البلد في غنى عنها؟

ميقاتي العائد من لقاء وزير خارجية أميركا انطوني بلينكن في عمان، عينه على الإقليم وما يحمله من مشروع تسوية آخذ في النضوج، وإن لم تخرج بوادره إلى العلن بعد. مقاربته الأوضاع تحاكي هذا الجانب من التطورات بعيداً من الزواريب المحلية وانتخابات الرئاسة التي باتت ملحقة بغزة وضمن مشروع تسوية يجري العمل عليه، كما تظهر الوقائع. لكن هناك في لبنان من يتقصد التغاضي عن الوقائع وتحميل رئيس الحكومة المسؤولية عن عدم انتخاب رئيس للجمهورية والحرب الدائرة في الجنوب وسلاح “حزب الله”، علماً أنّ الوضع اللبناني برمته صار عصياً على أي حل داخلي، وهو مرهون بتسوية شاملة في المنطقة، ليس مستبعداً أن يكون رئيس الحكومة الحالية جزءاً أساسياً منها بالنظر إلى العلاقات الدولية والعربية التي عادت إلى مسارها نوعاً ما.

فلا انتخاب الرئيس يتوقف على الحكومة ولا سلاح “حزب الله” يتوقف عليها أيضاً. أما داخلياً فيعرف ميقاتي كيف “يدوزن” العلاقات مع القوى السياسية، ومنها بكركي التي هو على تنسيق كامل ومستمر معها في كل شاردة وواردة.

في النصيحة التي أبداها أحدهم لرئيس الحكومة بأن يقفز فوق العتب والملامة التي وجهت إليه على موقفه الأخير، فمثلها وأكثر كانت عبارات التعبير عن التضامن، وإن آثر أصحابها عدم إعلانها. حقيقتان يدركهما ميقاتي: الأولى، أنّ المرحلة هي مرحلة البحث عن مخارج وحلول، والثانية، أنّ “حزب الله” دخل في المعادلة الدولية والإقليمية بدليل المفاوضات غير المباشرة التي يخوضها الغرب معه. ما قاله ميقاتي قد يكون في سياق التسوية التي بدأ نسج خيوطها بين “حزب الله” والأميركيين وما تشهده الكواليس وما ينقله له “الحزب” على صعيد الميدان أو في السياسة.