/ جورج علم /
لبنان المحجّة، وبيروت القبلة، والحجاج كثر. كان بيننا الأمين العام للأمم المتحدة، وقصدنا وزير خارجيّة الكويت في حمأة التوتر مع دول الخليج، وعلى المدخل يقف وزير خارجيّة الفاتيكان، ويتبعه نظيره الفرنسي.. والحبل على غاربه.
قامات أربع، وأوراق عمل قيد التنقيح، وتبقى الورقة الفرنسيّة الأعرق كونها الأسبق، إنها برنامج عمل الرئيس ميقاتي، وحكومته، هكذا أعترف أمام السلطة الرابعة، إن لم يكن بكامل مندرجاتها، فعلى الأقل ببعض بنودها الإقتصاديّة. هدف الورقة الفرنسيّة توثيق صلات لبنان بالعالم الخارجي، وتحديداً بالغرب الأوروبي. هذا الشاطىء اللازورديّ الذي صدّر قدموس وعشتروت، يبقى بوابة إستراتيجيّة يطلّ من خلالها الغرب على الشرق، والعكس أيضاً.
وزير خارجيّة الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح حمل مشروع إعادة إنخراط لبنان في محيطه العربي، وفق صيغة جديدة منقّحة بحبر العاطفة والنخوة العربيّة. قيل الكثير عن مبادرته، وسيُقال أكثر، لكن الجوهر واحد، لبنان عربي قلباً، وقالباً، ولساناً، وقضيّة، وحرارة أفئدة عطوفة كانت له السرّاء في الضراء.
وزير خارجيّة الفاتيكان المونسنيور بول ريشارد غالاغر، يحمل محصلة كدّ وجد، وخلاصة محادثات قام بها كبار من الفاتيكان الى لبنان بعد إنفجار مرفأ بيروت، وأيضا فعاليات لبنانية الى الفاتيكان، كان آخرها الرئيس نجيب ميقاتي.
هدف الورقة الفاتيكانية بقاء لبنان مختبر القيم الإنسانيّة. برنامج زيارته حافل، سيرعى المؤتمر الثقافي الوطني ـ الدولي الذي ستستضيفه جامعة الروح القدس ـ الكسليك يومي الأربعاء والخميس المقبلين تحت عنوان “البابا يوحنا بولس الثاني، ولبنان الرسالة”، بمشاركة حشد من الشخصيات اللبنانية، والعربيّة، والدوليّة. وسيلتقي مسؤولين، وقيادات، وفعاليات. يقلّب بين يديه ورقة تحتوي على بنود تندرج تحت عناوين ثلاثة: لبنان الريادة، والثقافة والتنوع، والحوار. وترتكز على بنود ثلاثة: المرفأ، الجامعة، المستشفى.
مرفأ بيروت مهم لدى الفاتيكان، إنه الواجهة على المتوسط المفتوحة أمام الحضارات، وصلة الوصل ما بين الغرب، والشرق.
الجامعة مهمّة. لبنان من منظار الفاتيكان، بلد الإشعاع ، والفكر، والثقافة، والمعرفة، بلد الحوار والتلاقي. بلد القرطاس والقلم، والمطبعة، والمكتبة، وصحيفة الصباح. مطبعة دير مار قزحيا التاريخيّة تمثّل النور في ذلك النفق المظلم.
المستشفى مهمة. ليس من الزاوية المهنيّة، بل الإنسانية البحتة. كان لبنان بلسماً للإنسانية، ويجب أن يستمر، كان يوماً “المبضع الذهبي” عند العرب، ويفترض أن يتألق، ويبقى مشفى الإنسانية المتألمة، والطبيب المبدع المتمكن من جعل الداء فريسة الدواء.
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فزار بيروت واتحفنا بثقافته، وخبرته الدبلوماسيّة. كثيرون لم يعرفوا لماذا جاء، وكيف ذهب؟ وقلّة تتحدث عن ورقة يخطّها بيده، وبعناية، وعلى ضوء إستشارة واسعة وعميقة، لصياغة مشروع يقضي بتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بلبنان. لا يريد إستمرار “القبعات الزرق” الى ما لا نهاية في الجنوب، ولا يريد الإنسحاب من لبنان إلاّ بعد أن يستتب الأمان والإطمئنان.
ويلحظ “الحاسوب” الدبلوماسي، الجوامع المشتركة، بين هذه الأوراق:
- كلّها عابرة للسقوف الأربعة: الدولي، والإقليمي، والعربي، والمحلي. منسّقة بمهنيّة بين الأمم المتحدة، وعواصم الدول الشقيقة، والصديقة المعنيّة بمعالجة الوضع الجائر القائم.
- تراعي الخصوصيات والخصائص للجميع، بمعنى أنها قادرة في لحظة ما، وهي ليست بعيدة، أن تشكّل بمجموعها ورقة واحدة متفاهم عليها بعيداً عن الإنكار، أو الإستئثار. تضمن جهداً مشتركاً، ترعاه الأمم المتحدة، وتتبناه االدول الشقيقة والصديقة، وتؤازره جامعة الدول العربيّة، كي يستعيد لبنان كرامته ووهجه!
- إن قطار التسويات الكبرى بدأ يعبر عواصم دول المنطقة، وبيروت محطة مهمة لا يمكن ان تكون خارج السكّة، ومنزوية عند قارعة الإنتظار!














