| هيام القصيفي |
حجبت حرب غزة والانشغال بتطوراتها الجنوبية الاهتمام عن ملفَّي النازحين السوريين وعودة خلايا أصولية إلى النشاط، مع تحذيرات من احتمالات استخدامهما لإشغال الساحة الداخلية.
الانشغال السياسي بحرب غزة وتداعياتها على لبنان حجب النظر عن عنصرين أمنيين خطِرين. فالمرحلة الحالية تُعدّ أكثر المراحل حساسية، من الناحية الأمنية، والعيون المفتوحة عليها ليست من زاوية إسرائيلية فقط بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري ورفاقه. فمنذ أسابيع، وصلت إشارات داخلية، وسياسية خارجية، عن ضرورة التنبه لملفَّي النازحين السوريين والتنظيمات الأصولية. ولم يكن المقصود إثارة نعرات عنصرية ضد النازحين العُزّل أو اختراع أوهام أمنية كما يحصل أحياناً في تضخيم عمليات القبض على أفراد من تنظيمات أصولية، بل التنبيه من احتمالات التوتير باستخدام هذين العنصرين في ظل الانشغال بحرب غزة وتطورات الجنوب من جهة، والتدهور السياسي الداخلي.ففي وقت لا قدرة للبنان، كأجهزة، على مواجهة حرب واسعة يمكن أن يتعرّض لها، تلفت التحذيرات إلى أن في إمكان الأجهزة التي لا تزال تتمتع بحد أدنى من الصدقية والانضباط، وبدعم مادي وتنسيق من أجهزة صديقة، استباق أي توترات داخلية أمنية، منبهة إلى ما يمكن استخدامه لإشغال الساحة اللبنانية من خلال حلقتين أمنيتين.
وإذا كان التعميم في توجيه الأنظار إلى تجمعات النازحين السوريين، يجد دوماً من ينتقده، إلا أن الحوادث المتنقّلة في الآونة الأخيرة، في أكثر من منطقة، ونوعية الأسلحة التي يتم التداول بوجودها، تعطي بعداً آخر لكيفية التعامل مع التجمّعات النازحة غير الشرعية. ورغم عشوائية التعامل مع قضية النازحين وموسميتها، وهي الصفة الغالبة سياسياً لدى بعض القوى التي تحمل عنوانها بحسب المناسبات، إلا أن المشكلة تقع على الأجهزة الأمنية المعنية التي سُجل تراخٍ ملحوظ لديها على مستوى المعلومات والعمل الميداني.
فحتى الآن، كان ملف النازحين السوريين يتأرجح بين القوى السياسية والحكومة في سبيل معالجته على مستوى الأمم المتحدة والدول المانحة، ويأخذ أحياناً طابع رفع الصوت من قوى مسيحية فحسب، ولكن لم يتم التعامل معه جدياً، رغم كل التبريرات، على مستوى التنسيق بين الأجهزة الأمنية، ولا بين هذه الأجهزة – وفي مقدّمها الجيش – والقطاعات والإدارات الرسمية المسؤولة، ولا سيما البلديات التي تشكل إحدى صلات الوصل مع النازحين في البلدات التي تُعدّ «مناطق حساسة»، إضافة إلى جمعيات أهلية وأخرى تابعة للأمم المتحدة كونها مسؤولة مباشرة عن دعم هذه التجمّعات.
فرغم تسجيل صدامات متنقلة، سورية – سورية أو سورية – لبنانية، والمطالبات بلجم الانفلاش الأفقي للنازحين في أقضية محددة، تحت عيون الأجهزة الامنية كافة، أصبح تقاعس هذه الأجهزة يشكل ظاهرة في حد ذاتها، معطوفاً على مسؤولية الأحزاب والبلديات التي تستفيد في أكثريتها مادياً من تغطية هذا الانتشار. وإذا كان التعامل مع تفاقم موجة انتشار النازحين في قرى وبلدات جديدة، بعيداً عن التجمّعات المعتادة، قد بقي مغطى بأسباب اجتماعية واقتصادية وتجارية، إلا أن تحوله إلى عبء أمني في مناطق تحت المعاينة، يجعل من الأجهزة الأمنية شريكة لعدم تحملها مسؤوليتها، لأنها المخوّلة بعمليات البحث والتدقيق وتفكيك التجمّعات وضبط المخالفين والمخالفات، في شكل دائم وليس موسمياً كما يحصل في نقل أعداد من النازحين غير الشرعيين إلى مناطق حدودية في فترات سابقة، أو توقيف عشرات المتسلّلين. علماً أن عمليات التهريب لا تزال ناشطة في كلّ المعابر الحدودية غير الشرعية، كما تنشط عمليات تأمين انتقال العابرين إلى الداخل بعيداً عن المناطق الحدودية. علماً أن الأجهزة الأمنية تحمّل القضاء مسؤولية كبرى بعدم مجاراتها في توقيف وسجن موقوفين في أحداث أمنية وإطلاقهم بعد فترات احتجاز وجيزة.
أما بالنسبة إلى التنظيمات الأصولية، فقد ترافقت إعادة تحريك بعض الساحات الأصولية في المنطقة مع تحذيرات أمنية للبنان، بدأت في مرحلة سابقة مع أحداث عين الحلوة، وتصاعد التنبيه منها بعد حرب غزة. ورغم أن قوى سياسية معارضة قد لا تجد في هذه التحذيرات إلا مناسبة لحرف الأنظار عما يجري جنوباً، إلا أن التحذيرات التي تأتي من أكثر من مصدر خارجي تعطيها بعداً مختلفاً، خصوصاً أن استغلال هذه الخلايا قد يتم لأهداف متنوعة تُستخدم في السياسة كما في الأمن الاستخباراتي. والمشكلة التي تتكرر هي أن عدم الثقة بأجهزة أمنية في ملاحقة خلايا نائمة والكشف عنها، لذرائع سياسية، قد يكون سبباً في التقليل من أهمية هذه المخاطر الأمنية. فيما تزداد الحاجة إلى التنبه مما قد تحاول بعض الأجهزة الخارجية استخدامه لتمرير رسائل أو تكثيف الضغوط من خلال العبث بالأمن.
وفي الحالتين تكمن مسؤولية الأجهزة الأمنية في تحويل التراخي الذي يُسجل منذ أشهر إلى رفع لمستوى التأهب، وعدم تقاذف المسؤوليات، قبل أن يفوت الأوان.