أصدر أمس مصرف لبنان بياناً مالياً حتى نهاية 2023، زعم فيه أنه “يعكس حقيقة الوضع المالي بشفافية”، مع تغيير في بنود وأرقام تختلف شكلاً لا مضموناً عما كان عليه الوضع أيام الحاكم السابق رياض سلامة، رغم تأكيده في بيانه أنه “استند الى بعض المعايير الدولية”. وفي ما يلي بعض الملاحظات الأولية:
أولاً- لا يمكن أن يتحدث الحاكم بالإنابة وسيم منصوري عن الشفافية وحقيقة الوضع المالي، وهو يعتمد سعر 15 ألف ليرة للدولار، بينما هو نفسه ألغى سعر صيرفة واعتمد سعر السوق الموازية البالغ 89500 ليرة للدولار في تعاملاته في سوق القطع. ولا يمكنه أيضاً القول إنه ينتظر توحيد سعر الصرف في موازنة 2024، ما يعني، في رأيه، أنّ ذلك السعر من مهمات السلطة التشريعية ومصرف لبنان ينفّذ فقط، بينما هو نفسه وعد بإطلاق منصة “بلومبيرغ” للسعر الحر، ثم أجّل ذلك متذرعاً بظروف الحرب في المنطقة.
ثانياً- يقول في بيانه إنّ خسائر مصرف لبنان تغطيها الدولة وفقاً (لقراءة خاصة) للمادة 113 من قانون النقد والتسليف. ويعطي منصوري بذلك سلاحاً فتاكاً لجمعية المصارف لم تكن تحلم به، إذ كان 11 مصرفاً تقدمت بربط نزاع مع الدولة اعتماداً على المادة نفسها. ويتجاهل منصوري، كما المصارف، أنّ المادة 113 تخصّ سنة مالية بسنة مالية، ولا يمكن إخفاء الخسائر طيلة 10 سنوات على الأقل وادعاء الأرباح والتوزيع منها سنوياً على الدولة (40 مليون دولار) حتى 2018، ثم فجأة يعترف بالخسائر ويلقيها على الدولة التي ستجبيها لاحقاً بالضرائب والرسوم من المواطنين. فكيف يفسّر منصوري الخسائر المتراكمة (تزيد على 70 مليار دولار) فيما كان سلامة يعلن أرباحاً سنوية لمصرف لبنان؟
ثالثاً- يعترف منصوري ضمناً بما كان يروج له سلامة، بأنّ الخسائر من الاحتياط أمر طبيعي في البنوك المركزية العالمية، من دون التطرق الى مسألتين أساسيتين: الأولى هي أنّ تلك الخسائر لا يمكن ان تكون من ودائع الناس، بل من أمواله وعملياته الخاصة. والثانية هي أنّ أي خسارة بهذا الحجم كان يجب أن تمر أولاً بأول على المجلس النيابي ليقف ممثلو الشعب على خطورتها، قبل أن تتراكم وتصل الى أرقام “فلكية” تبيّن أنها من مدّخرات المواطنين وجنى أعمارهم.
رابعاً- لا يزال مصرف لبنان يسجل الخسائر الى جانب الموجودات! مع فارق اعتمده منصوري لجهة إلغاء بند «موجودات أخرى» الذي كان يخفي فيه سلامة الخسائر، واختراع بنود أخرى مثل «عمليات السوق المفتوحة المؤجلة»، و»فروق تقييم العملة الأجنبية».
خامساً- أقرّ منصوري مع سلامة أنّ لمصرف لبنان في ذمّة الدولة مبلغ 16.5 مليار دولار متراكماً منذ 2007، علماً أنّ وزراء المال المتعاقبين لم يقرّوا ذلك المبلغ، ولا ذكرته الموازنات العامة للدولة، ولا علم الدائنون الأجانب به رغم أنهم أكثر المعنيين بديون لبنان بالدولار، وسيتهمون لبنان حتماً بأنه غشّهم واحتال عليهم في إخفاء ذلك الدين مدة 17 سنة.
سادساً- البيان الجديد للوضع المالي لمصرف لبنان يتجاهل كل نتائج تقرير التدقيق الجنائي الذي أجرته شركة «ألفاريز آند مارسال»، ويبقي على سردية أنّ الخسائر كانت أمراً طبيعياً ويجب أن تغطيها الدولة، متجاوزاً كل المخالفات التي كشفها التدقيق في الهندسات المالية وعشرات العمليات المخالفة التي ارتكبها مصرف لبنان بالتواطؤ مع المصارف والمصرفيين على حساب المال العام وودائع الناس.
سابعاً- تُحسب للحاكم الجديد أنه أوقف ما يسمى الـ seigniorage، أي مبدأ طبع العملة لإطفاء الخسائر مع الوقت (حتى 2037!) الذي كان يعتدّ به سلامة لتبريره أخذ المخاطر الجسيمة، كما يحسب له أنه أوقف تمويل الدولة، ولا سيما بالدولار، محافظاً على ما تبقى من موجودات بالعملة الأجنبية، بل زادها من 8.57 مليارات دولار الى 9.32 مليارات أي بنحو 750 مليوناً، مثلما يحسب له اللجوء الى صندوق النقد الدولي لإعادة النظر في السياسة المحاسبية والتقارير والافصاحات المالية، خلافاً لطريقة سلامة التي كانت دائماً تناهض الاستعانة بصندوق النقد.
خلاصة القول إننا أمام وسيم منصوري نصفه رياض سلامة أو بكلام آخر أمام “وسيم سلامة”، إن صحَّ القول.