الغطاء الأميركي للحرب يتقلّص: “إسرائيل” إلى المرحلة الثالثة.. بلا إنجازات

جريدة الأخبار

| يحيى دبوق |

انكفأ الجيش الإسرائيلي عن شمال قطاع غزة، بعد إنكار ومعاندة طويلَين، في خطوة كان يُفترض أن يقدِم عليها قبل أسابيع، إلا أن شراسة المقاومين والأثمان التي يدفّعونها للعدو يومياً، في موازاة عدم قدرة هذا الأخير على تحقيق أيٍّ من أهدافه، كانت كافية لإنهاء رهاناته. ويتّجه هذا السيناريو إلى التحقّق أيضاً في خانيونس ومخيّمها، حيث لا تزال القوات الإسرائيلية تلاحق أهدافاً تأمل أن تمكّنها من الخروج من هذه المنطقة. وغلّف الجيش الإسرائيلي انكفاءه، الذي شمل غالبية المناطق التي كان يسيطر على ما فوق أرضها، بالقول إنه يريد نقل قواته، وهي فرقة وعدد من الألوية، للعمل على إتمام المهمّة في مدينة خانيونس الجنوبية، في ما يمثّل إقراراً بأن الفرقة الأخرى والعدد الآخر من الألوية التي كانت تعمل في جنوب القطاع، لم تكن كافية، ولم تحقّق ما طُلب منها، فكان لزاماً على الجيش رفدها بتعزيزات إضافية، سُحبت من الشمال.

ويشير ما تقدّم إلى واحدة من أهمّ دلالات هذه الحرب: الجيش الإسرائيلي عاجز أمام عدد من المقاومين، وهو بحاجة إلى «جحافل» لتحقيق صورة نصر في بقعة جغرافية محدودة وضيّقة جداً.كيفما اتّفق، فإن انسحاب الجيش الإسرائيلي من شمال القطاع، والتراجع إلى شريط ضيّق نسبياً يحيط بهذه المنطقة، بما يشمل كذلك سحب غالبية القوات التي كانت توكل إليها توغّلات ميدانية واقتحامات، كلّ ذلك يشير إلى أن المرحلة الثالثة التي جرى الحديث عنها طويلاً، قد دُفع إليها العدو دفعاً، من دون أن يكون قد حقّق أهداف المرحلة الثانية من العملية البرية، في هذه المنطقة تحديداً، والتي تُعدّ واحدة من أهمّ مناطق الثقل العسكري والتنظيمي لحركة «حماس». وإذا كان هذا الانتقال قد حصل قسراً، فالنتيجة هي وصول الجيش الإسرائيلي إلى مرحلة شائكة قد تكون خليطاً من المرحلتَين الأولييْن، مع استمرار المقاومة في مواجهته وتدفيعها إياه الأثمان.

ويأتي ذلك بعدما كان يفترض أن ينجز الجيش الإسرائيلي أهمّ هدفَين أُعلنا ابتداءً: تحرير عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين، وإنهاء حكم «حماس»، وأيضاً «حماس» نفسها، إلا أن أياً من هذه الأهداف لم يتحقّق، وإنْ أَنجز الجيش الإسرائيلي، وبكفاءة عالية، مهمّة قتل المدنيين والتدمير الممنهج في شمال القطاع. كذلك، لم تسعف صفقة تبادل الأسرى، والهدنة التي رافقتها، إسرائيل في تقديمها كتنازل اضطرّت له «حماس» بفعل الضغط العسكري والعملية البرية. كما أن الحركة لم تقع لاحقاً في الفخّ، وتجنّبت إعطاء الجانب الإسرائيلي سلّم النزول عن الشجرة الطويلة جداً في شمال القطاع، فاضطرّ للنزول هو عنها، عبر الانسحاب من المنطقة، من دون الإعلان عن أن انسحابه جاء لينهي المرحلة الثانية من العملية البرية.

وإذا كان يفترض أن ينهي الجيش الإسرائيلي رهانه على تحقيق أيّ من أهدافه في مدينة خانيونس، ومن بينها الأمل في أن ينجح في قتل قادة «حماس» الثلاثة أو واحد منهم على الأقل، فهذا يعني أن الانتقال اضطراراً إلى المرحلة الثالثة، أيضاً في الجنوب، هو مسألة أسبوع أو اثنين، في حين أن لمنطقة رفح ومعبرها، حساباتها الخاصة التي تجبر تل أبيب على مراعاتها، بل وعدم القفز من فوقها، وتحديداً في ما يتعلّق بالموقفَين المصري والأميركي، حيث مصالحهما مقدّمة لازمة لأيّ إجراء في هذه المنطقة.

أميركا تغادر

تغادر حاملة الطائرات الأميركية «جيرالد فورد»، الشرق الأوسط، خلال الأيام المقبلة، حيث من المقرّر أن تعود إلى مينائها الأصلي في ولاية فيرجينيا. ويثير هذا القرار قلق إسرائيل من فقدان عامل من عوامل الردع، التي رأت أنها تحقّق لها مساعدة في لجم أعدائها. إلا أن أهمّ ما في دلالات انسحاب «فورد»، أنه يأتي على خلفية التوجّه الأميركي لإفهام صانع القرار في تل أبيب، أن الحرب انتهت، ولم يَعُد في إمكانه تحقيق أهدافه فيها. كما أنه يُعدّ إشارة أميركية، وإنْ جاءت متأخرة، إلى أن إعطاء إسرائيل مزيداً من الوقت، يعني إمكان دفع أرصدة أميركية في المنطقة، بلا طائل، مع مفاسد لا يمكن إدراك حجمها ومستواها، ليس في الساحة الفلسطينية فحسب، بل على صعيد المنطقة، وكذلك في الداخل الأميركي، علماً أن لدى إدارة الرئيس جو بايدن وقتاً محدوداً للعمل على ترميم ما أفسدته الحرب، إقليمياً.

في الوقت نفسه، فإن إدارة بايدن معنية بأن تُفهم إسرائيل بأن اليوم الذي يلي حرب غزة، لا يعني الاعتماد على الولايات المتحدة في تسوية عسكرية تؤدي إلى مواجهات شاملة في المنطقة. فإذا كان الوجود العسكري الأميركي في الإقليم رسالة ردع إلى أعداء إسرائيل، إلا أن الولايات المتحدة لا تريد من هذا الوجود أن يحفّز الدولة العبرية، في السياق الردعي للأعداء المشتركين، على ما لا يخدم المصالح الأميركية في المنطقة، وفي المقدّمة، التسبّب بحرب شاملة.