الطاقة المتجدّدة الموزعة: قانون آخر لن يطبّق

جريدة الأخبار

| فؤاد بزي | 

أسقط مجلس النواب مركزية إنتاج الكهرباء من يد الدولة، وحوّلها من «منتج أول» للكهرباء إلى مدير لشبكة التوزيع فقط. في جلسة الخميس الماضي، أقرّت الهيئة العامة للمجلس مشروع قانون «إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزعة» الوارد من الحكومة بموجب المرسوم رقم 9000، والمقرّ في لجنة الطاقة، ولجنة المال، واللجان المشتركة.القانون الجديد، وللمرّة الأولى، شرّع للقطاع الخاص تأسيس محطات طاقة متجدّدة بقدرة لا تزيد على 10 ميغاواط للطاقة الشمسية، و15 ميغاواط لطاقة الرياح. وربط المحطات بالشبكة العامة للكهرباء، الخاصة بمؤسسة كهرباء لبنان، بغية نقل الطاقة المنتجة إلى المستهلكين مقابل «رسم عبور» يُدفع للمؤسّسة العامة. كما سمح بعقد اتفاقيات تجارية لشراء الكهرباء بين المنتج والمستهلك، من دون المرور بمؤسسة كهرباء لبنان في حال كان عقار المستهلك موجوداً في عقار المنتج نفسه أو ملاصقاً له. ومن جهة ثانية، أتاح القانون لمؤسسة كهرباء لبنان الاستفادة من فائض الكهرباء المنتجة عبر أنظمة الطاقة المتجدّدة ووضعها على الشبكة العامة مقابل بدل تدفعه الدولة هذه المرّة للمنتج.

وحدّد القانون الجديد مجال الاستثمار بمحطات الطاقة، وحصرها بالمتجددة فقط (طاقة شمسية أو رياح). فإقراره لا يعني تشريع قطاع مولدات الكهرباء التي تعمل على الوقود الأحفوري. ولكن، مبدأ مركزية إنتاج الكهرباء ضرب، إذ أصبح في إمكان أي صاحب أرض الاستثمار في تركيب أنظمة طاقة متجدّدة عليها وبيع الكهرباء للمستهلكين، واستخدام الشبكة العامة بعد تحصيل موافقة مؤسسة كهرباء لبنان.

من جهة أخرى، أتاح القانون الجديد لأصحاب محطات الطاقة الشمسية المنزلية تركيب عدّادات كهرباء ذكية تمكنهم من بيع فائض الطاقة المنتجة للدولة، وتقاضي ثمن الطاقة بعد إجراء مقاصّة بين الكمية المستهلكة وتلك المنتجة. وهذا المبدأ، الذي عرّفه القانون باسم «التعداد الصافي»، يطبق أيضاً على المستثمرين الكبار، أصحاب محطات الطاقة الكبيرة (10 أو 15 ميغاواط). ففي حال انخفض الاستهلاك، يحوّل الفائض أيضاً إلى الشبكة العامة مقابل بدل.

عملياً القانون نافذ، وينتظر فقط صدوره في الجريدة الرسمية. إلّا أنّ مسار تطبيقه على الأرض طويل وشديد الوعورة، أو ببساطة، «لن يطبق حالياً»، بحسب رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة بيار خوري. فـ«القانون يقوم على ركيزتين: الهيئة الناظمة ومؤسسة كهرباء لبنان». والركيزة الأولى «هي العائق الأساس»، فهي منشأة بموجب قانون التنظيم لقطاع الكهرباء الرقم 462/2002، ولم يُعيّن أعضاؤها رغم مرور 21 سنة على إنشائها.

وقد وضع القانون على عاتق الهيئة الغائبة مهمات كبيرة. المادة الرابعة منه ذكرت 7 مهمات للهيئة، أهمّها تحديد رسوم العبور وسقف سعر الطاقة وطرق الدفع، وضع نظام التعداد الصافي، تحديد الأنواع المؤهلة من أنظمة الطاقة لربطها بالشبكة العامة والمواصفات الفنية لأنظمة الطاقة المتجددة، تعيين الحد الأقصى من الطاقة الكهربائية المنتجة المسموح بإدخالها وربطها بالشبكة العامة…

ومن جهة ثانية، مؤسسة كهرباء لبنان بحاجة لورش تأهيل تقنية ضخمة لنظام الفوترة. وفقاً للقانون الجديد، على المؤسّسة تسديد صافي ثمن الطاقة الكهربائية المصدرة إلى الشبكة العامة، بحسب التعرفة التي وضعتها الهيئة الناظمة. وهنا، أشار خوري إلى «عمل المركز مع مؤسسة الكهرباء لإنشاء نظام فوترة دقيق»، ورأى أنّ «مقاصة الفارق بين كمية الكهرباء المنتجة منزلياً من محطات الطاقة الشمسية وبين الكمية المستهلكة من المنزل نفسه من كهرباء الدولة سهل. إلّا أنّ نظام التعداد الصافي يغدو أكثر تعقيداً في حال كانت محطة الطاقة ملكاً لبلدية، وفائض الإنتاج الموضوع على الشبكة العامة يجب أن يحسم من فاتورة سكان البلدة». لكن خوري أشار إلى اطمئنانه للناحية التقنية البحتة في تطبيق نظام التعداد الصافي، فـ«هو مطبّق منذ عام 2011 في المؤسّسة».

أشدّ المتشائمين من إقرار القانون الجديد يركزون بشكل أساسي على «وضع قطاع الكهرباء بشكل كامل بيد القطاع الخاص»، بخاصة مع الوضع المهترئ الحالي لمؤسسة كهرباء لبنان. بالإضافة إلى التخوّف القديم الجديد من ظهور «شركات كهرباء طائفية» تحتكر توليد الطاقة لمناطق محدّدة تحت شعار «مناطقنا بتدفع».

ولكن، لخوري رأيٌ آخر، إذ رفض الحجة الأولى معتبراً «أنّ القانون يقوم على وحدة الجغرافيا اللبنانية، فكلّ شيء سيمرّ عبر شبكة كهرباء لبنان، وهي اللاعب الأساسي الذي يحدّد أين يتم ربط محطات الطاقة المتجدّدة، وكيف». ونفى خوري تهمة «فدرلة الطاقة» عن القانون الجديد، وفضّل تسميتها بـ«لا مركزية الإنتاج، ومركزية الطاقة». ولكنه لم ينفِ إمكانية إقامة محطات كهرباء مناطقية، وأعاد التذكير بـ«قدرة كهرباء لبنان على تحويل فائض الطاقة المنتجة من المحطات إلى الشبكة العامة، ومنها إلى مستهلكين في مناطق أبعد». أما في ما يتعلق بإمكانية الوصول إلى تغذية كهربائية مستمرّة من دون انقطاع، 24/24، فرأى خوري ذلك ممكناً خلال سنوات، ولا سيّما أنّ زيادة عدد محطات الطاقة الشمسية المنزلية خفّض استهلاك الكهرباء على المستوى الوطني، لدرجة أنّ المعامل الحرارية القليلة العاملة اليوم باتت تعطي ساعات تغذية أكثر مقارنةً مع السنوات الماضية.