مَن يرِثّ “الحريرية”.. وهل يتحوّل “المستقبل” إلى أشلاء؟

/ محمد حمية /

فاضت الساحة السياسية بالأخبار والتحليلات، وغصّت بالسيناريوهات، حول حال الشارع المستقبلي والسني عمومًا، وردة الفعل بعد انسحاب الرئيس سعد الحريري من المشهدين الانتخابي والسياسي. فللمرة الأولى يواجه هذا الشارع قراراً كالذي اتخذه المُمثّل الأكبر للطائفة السنية في لبنان، والفراغ الانتخابي والسياسي الذي سيخلفه.

ماذا بعد انكفاء الحريري؟ هذا السؤال الذي تطرحه الأوساط السياسية والشعبية السنية في مختلف المناطق اللبنانية.. من سيّرِث شارع المستقبل و”زعامة” الحريري السنية؟ وكيف سيتعاطى تيار المستقبل وعموم الطائفة السنية في لبنان مع هذا الحدث الزلزال؟ هل سيُقرر المستقبليون مقاطعة الانتخابات على غرار ما فعل المسيحيون في انتخابات 1992 ترجمة لحال الخيبة والإحباط على تعرض “زعيمهم” الأكبر للعزل الانتخابي والنفي السياسي؟ وبالتالي افساح المجال لقوى وأطراف أخرى لاقتناص الفرصة للوثوب لحجز مكانة لهم في الخريطة النيابية والسياسية؟ أم سينتفضون في أقلام الاقتراع برفع نسبة المشاركة والتصويت لتثبيت حضورهم وموقعهم في الساحة السياسية والوطنية؟ واستطرادًا هل سيبقى شارع المستقبل موحدًا أصلًا أم سيتحول إلى شوارع وأجنحة وأشلاء؟

لا شك أن وقع اللحظات الأولى لقرار الحريري كان ثقيلًا على الشارع السني برمته، لكن الطبيعة تكره الفراغ في نهاية المطاف، وكذلك السياسية لن تتوقف، كما الحياة التي يجب أن تستمر. الكل يتفق على أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان يمتلك من زعامة وحضور سياسي واقتدار مالي وحظوة سياسية وفائض علاقات دولية، ما يفوق سعد الحريري بأضعاف، لكن بعد وفاته استمر تيار المستقبل، وبقيت الطائفة السنية في موقعها الريادي، رغم التأثير الذي خلفه اغتياله على مختلف الساحات المستقبلية والسنية والوطنية، وحتى على الساحة الاقليمية.

حالة الغليان لاتزال تسيطر على المزاج المستقبلي والسني العام، وكذلك الضياع والقلق من المستقبل القادم، ويحتاج الى بعض الوقت لكي يستفيق من الصدمة ويستعيد توازنه، ليحدد اتجاهاته المرتبطة بدورها بجملة من التطورات السياسية والإقليمية. إلا أن التوقعات الآنية تشي بأن شارع المستقبل مشتت، وسيتحول إلى أشلاء متناثرة تتناتشه الأنياب وينهشه الخصوم، وسيتوزع على قوى سنية متعددة ستتقاتل بشراسة في ما بينها للانقضاض على تركة الحريري لـ”تنتش” ما يحلو لها وتلتهم ما يطيب.

لكن مصادر سياسية ترى أن كتلة المستقبل لن تعود كتلة واحدة متراصة، بل ستتفرق ما بين مستقبليين وغير مستقبليين، والتيار سينقسم الى أجنحة، وفق حسابات مناطقية وسياسية خارجية، فيما ستتشظى عائلة الحريري الى أجنحة ما بين سعد وبهاء وبهية.

وبحسب التوقعات السياسية، وفق أوساط مطلعة على مزاج الساحة المستقبلية والسنية لـ”الجريدة”، فإن الشارع سيتوزع إلى خمسة أقسام:

-القيادات التقليدية التي لا تنضوي تحت لواء المستقبل وممثلي العائلات في المناطق ستحصد ما بين 20 الى 25 في المئة
– حزب القوات اللبنانية الذي “سيسطو” بتحالفه مع اللواء اشرف ريفي وربما بهاء الحريري (إذا قرر الانخراط) في العملية الانتخابية على بنسبة 15 الى 20 في المئة.

-القوى الإسلامية ستحصد من 10 الى 15 في المئة بمن فيهم الجماعة الإسلامية وقد يتلقوا الدعم من تركيا وقطر وغيرهما.

-القوى المستجدة، أو ما يسمى بالمجتمع المدني المدعومين من السفارة الأميركية والسفارة السعودية، ما بين 20 و25 في المئة.

-النسبة المتبقية ستذهب الى القوى السنية المنضوية تحت فريق المقاومة أو 8 آذار كالنائب عبد الرحيم مراد والنائب فيصل كرامي وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية والنائب جهاد الصمد وغيرهم.

وتشير المصادر إلى أن الشارع المستقبلي سيرد الصاع للقوات اللبنانية التي يتهمها بطعن الحريري في مراحل ومواقع متعددة، وذلك من خلال التصويت ضد المتحالفين مع القوات، وستتوزع أصوات التيار الازرق على قوى متعددة وفق الحسابات السياسية تارة والمناطقية والعائلية والمنفعية تارة أخرى، وثمة من يقول إن الشارع المستقبلي يخفي جمر غضبه تجاه السعودية تحت الرماد كونها مسؤولة عن تدمير الحريري منذ احتجازه في الرياض حتى انسحابه من السياسية، وهذا ما تظهر بوضوح في حملة التضامن مع الحريري في بيت الوسط التي أطلقت شعارات تنتقد المملكة وتحملها المسؤولية.

في المقابل توضح مصادر أخرى أن الحريري ليس الزعيم السني الأوحد الذي كان يمثل 60 في المئة من السنة مع الأخذ بعين الاعتبار النكسة التي تعرض لها في انتخابات 2018 بتراجعه من 28 نائبًا الى 18، فهناك قوى عدة لها حضورها وقد تفعله وتكسب مقاعد إضافية. ووفق المعلومات فإن الدراسة والإحصاءات التي قدمها مستشارو الحريري له أثبتت بأن الحريري سيتراجع أكثر في الانتخابات المقبلة الى حدود الـ10 نواب لأسباب عدة اذا لم يتلقَ الدعم المالي والسياسي الخارجي، لذلك فضل الانكفاء إضافة الى العامل الخارجي السعودي تحديدًا.

الساحة المستقبلية والسنية مشرعة على كافة الاحتمالات من ضمنها توسع الحالة المتطرفة، لكنها ستعيش الآن حالة من الضياع وانعدام التوازن لفترة قد تمتد لما بعد الانتخابات النيابية حتى يستقر، وقد لا يجد الملاذ الآمن بهذه السهولة، وسيتعرض لعواصف سياسية إلى أن تتبلور الصورة النهائية. وحتى ذلك الحين سترى دول عدة فرصة ثمينة لمد اليد على هذه الساحة ومحاولة خلق واقع تمثيلي جديد يتلاءم ومشاريعها وسياساتها. لكن، وفق الأوساط السنية، فإن سُفن الطائفة السنية، لن تسير وفق الرياح السعودية التي اعتقدت بأنها تستطيع فرض مرشحين وممثلين للطائفة السنية بقوة الأمر الواقع، وخلق زعامة أو زعامات، لها على غرار ما حاولت القيام به في العام 2917 باحتجازها الحريري وتنصيب غيره.. ولم تستطع!