| مرسال الترس |
مع إعلان وفاة وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، الأسبوع الفائت، عن عمر يناهز المئة عام، عادت الذاكرة باللبنانيين نصف قرن بالتمام والكمال، لهذا الرجل الذي وصفه العديد ممن عاصروه بأنه الأدهى في الديبلوماسية الأميركية، وأحياناً كثيرة “ثعلبها”، وبأن رئيس الجمهورية اللبنانية الراحل سليمان فرنجية كان يصفه بـ “السيء الذكر” خلال مؤتمراته الصحافية الأسبوعية، لأنه إبان الحرب اللبنانية التي اندلعت في ربيع العام 1975 لم يكن لديه هاجس سوى خدمة طموحات الكيان اليهودي على أرض فلسطين، على غرار مختلف أقرانه الذين عاصروا الكيان منذ احتلاله الأرض الفلسطينية في العام 1948.
لم يكن إطلاق الرئيس فرنجية عليه “السيء الذكر” عن عبث، إذ إنه صاحب نظرية تهجير المسيحيين من لبنان لإهدائه وطناً بديلاً للفلسطينيين الذين يزعجون “إسرائيل”، بعدما فشلت خطة منحهم المملكة الأردنية الهاشمية كوطن بديل، كي ينعم الكيان الصهيوني بالأمن والاستقرار، على حد إعتقادهم.
وإن فكرة كيسنجر تلك، قد رغب أحد كبار مساعديه، الموفد دين براون، في ترجمتها عبر إبلاغ الرئيس فرنجية، الذي ترك قصر بعبدا بعد تعرضه للقصف المدفعي، في أدق مراحل الحرب اللبنانية تلك، واعتماده منزل أحد المقربين منه وزير الخارجية السابق الرحل لوسيان الدحداح، في بلدة الكفور الكسروانية، مكاناً لإقامته، بأن واشنطن مستعدة لإرسال ما يكفي من البواخر إلى لبنان ونقل جميع المسيحيين منه، والأرجح إلى كندا. فما كان من “أبو طوني” إلاّ أن اعتبر الاجتماع منتهياً، بعدما أسمع براون، وباسم جميع اللبنانيين، ما يكفي من الكلام الذي لا يعجبه أو يمر سهلاً على آذان إدارته في واشنطن!
المؤسف أن العديد من العائلات اللبنانية تسعى، منذ بضع سنوات، للسفر إلى كندا، أو سواها من بلاد الانتشار اللبناني في الاغتراب، بعدما ساهمت السلطة في لبنان في نهب جنى أعمار اللبنانيين، وبشكل جَماعي لم يسبق أن حصل مثله في أي من دول العالم، وأدخلتهم في أزمات اجتماعية ومعيشية، فضلاً عن الظروف العسكرية والأمنية التي لا يبدو أن لها أفق، نتيجة عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقها مقاومون فلسطينيون في وجه العدو الاسرائيلي الذي كان يعتبر جيشه في المراتب الأولى من أقوى جيوش العالم، في حين وصفها كيسنجر نفسه، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، بانها “هجوم حماس الإرهابي” مشدداً على وجوب مواجهتها بكل الوسائل المتاحة لـ”إسرائيل”.
واللافت أن كيسنجر قد غادر هذه الدنيا ولبنان ما زال دولة ذات سيادة بفضل جيشه وشعبه ومقاومته، وبأن الديبلوماسي الأميركي، اليهودي الأصل، لم يشهد على ما سيحل بالكيان المغتصب بعد “ذلك الطوفان” غير المسبوق منذ خمس وسبعين سنة!