هل يمكن القضاء على “حماس”؟

طرحت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية للنقاش، معادلة مقارنة حركة “حماس” بتنظيم “الدولة الإسلامية” ـ “داعش”، وخلصت إلى أن المقارنة خاطئة لاعتبارات عديدة قدمت شرحاً لها.
وأشارت “أسوشيتد برس” إلى إنه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شبه مسؤولو الاحتلال الإسرائيلي، حركة “حماس” بـ”داعش”، في كل خطاب وبيان عام تقريبًا، مقارنين مهمتهم في هزيمة “حماس” بالحملة التي تقودها الولايات المتحدة لهزيمة “داعش” في العراق وسوريا. كما أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بعد الهجوم مباشرة أن “حماس” هي “داعش”، معتبراً أنه “مثلما اتحدت قوى الحضارة لهزيمة داعش، يجب على قوى الحضارة أن تدعم إسرائيل في هزيمة حماس”.

لكن، من نواحٍ عديدة، تخطئ هذه المقارنات الهدف من خلال تجاهل الأصول المحلية وكون “حماس” حركة فلسطينية خالصة، وقاعدة الدعم لحركة “حماس” في المجتمع الفلسطيني متجذرة، وتخطئ ايضاً بافتراض إمكانية القضاء على هذه الحركة المتجذرة بعمق، بحسب “أسوشيتد برس” التي رأت أنه ربما تكون هذه الحسابات الخاطئة قد أدت بالفعل إلى توقعات غير واقعية في “إسرائيل” لتحقيق النصر. كما أنها تُعقّد الجهود الناشئة التي تبذلها الولايات المتحدة والوسطاء الدوليون الآخرون لإنهاء الحرب، التي دمرت غزة وشردت أكثر من ثلاثة أرباع سكانها وقتلت أكثر من 13300 فلسطيني، وفقًا للسلطات الصحية المحلية.

وتؤكّد الوكالة الأميركية أن “حماس” هي “حركة فلسطينية خالصة، وأعضاؤها فلسطينيون، وتركز أيديولوجيتها على تحرير ما تقول إنها أرض محتلة من خلال تدمير إسرائيل. ورغم أن إسرائيل وحلفائها الغربيين تصنفها جماعة إرهابية، إلا أن هجماتها القاتلة تركزت على أهداف إسرائيلية”.

وبحسب الوكالة، فإنه خلال حكمها لغزة الذي دام 16 عاماً، تمكنت “حماس” من بناء نظام حكم لا يضم جناحها العسكري فحسب، بل يضم أيضاً عشرات الآلاف من المعلمين وموظفي الخدمة المدنية وأفراد الشرطة. وتتمتع المجموعة أيضًا بدعم كبير داخل الضفة الغربية وقيادة في المنفى منتشرة في جميع أنحاء العالم العربي.
وأعلن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هزيمة “داعش” في العراق عام 2017، وفي سوريا بعد ذلك بعامين، على الرغم من أن التنظيم لا يزال لديه آلاف المقاتلين في خلايا نائمة في كلا البلدين.
في المقابل، تؤكد “أسوشيتد برس” أن القضاء على “حماس” قد يكون مهمة أصعب بكثير، مشيرة إلى أن “إسرائيل تراجعت بالفعل عن تعهداتها الأولية بمحو حماس من على وجه الأرض”. ولكن نظراً لجذور “حماس” العميقة، فحتى أهدافها الحالية المتمثلة في تدمير قدرات “حماس” العسكرية والحكمية في غزة قد تظل طموحة للغاية، بحسب الوكالة.

وقال مايكل ميلشتين، الخبير في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب والرئيس السابق للمكتب الفلسطيني في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، إن المقارنات بين “حماس” وتنظيم “داعش” تعمل في سياق محدود، ولكنها بخلاف ذلك مضللة.
وتأسست “حماس” خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي في أواخر الثمانينيات، ونجا بعض كبار قادتها من عدة محاولات اغتيال، وخاضت أربع حروب سابقة مع الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2008.

وفي حين يدعي الاحتلال الإسرائيلي أنه ألحق أضراراَ جسيمة بالحركة خلال الحرب الأخيرة، يبدو أن الكثير من قوتها القتالية وشبكة الأنفاق لا تزال سليمة. وتحتفظ قيادتها المنفية بعلاقات عمل مع دول رئيسية مثل مصر وقطر.

وقال ناثان براون، الخبير في شؤون “حماس”، إنه لا يرى “أي طريقة” يمكن من خلالها القضاء على “حماس”. وقال: “من خلال الحديث المستمر بهذه الطريقة، فإن القيادة الإسرائيلية لا تضع التوقعات فحسب، بل أعتقد في الحقيقة أنها تضع نفسها في حفرة”. وعرضت “إسرائيل” مطالبها الأمنية لغزة ما بعد الحرب لكنها لم تقدم أي خطة بشأن من قد يدير القطاع.

وقال براون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، إنه بعد حرب مؤلمة، قد تضطر “حماس” إلى إعادة اختراع نفسها، ربما من خلال السيطرة على لجان السكان المحليين، أو العودة إلى كونها جماعة مسلحة سرية. لكنه قال إنها ستحافظ على نوع ما من الوجود، بينما ستبقى نشطة في الضفة الغربية وستستمر في كونها لاعباً إقليمياً وقال: “حماس ستكون هناك”.

وبحسب الوكالة فقد أدت الأهداف “الطموحة” للاحتلال الإسرائيلي ضد “حماس”، إلى تعقيد مهمة الولايات المتحدة التي تعمل مع وسطاء قطريين ومصريين لإنهاء الحرب.

ومن المتوقع أن يصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة في وقت لاحق من هذا الأسبوع لمناقشة، من بين أمور أخرى، مبادئ غزة ما بعد الحرب.

وفي الوقت الراهن، تظل “إسرائيل” ملتزمة بأهدافها إذ تعهد نتنياهو بضرب “حماس” “بالقوة الكاملة” بمجرد انتهاء وقف إطلاق النار. وهذا يعني توسيع الهجوم البري الإسرائيلي على جنوب غزة ـ حيث تتركز الغالبية العظمى من سكان القطاع الآن ـ مما يمهد الساحة لعملية معقدة ودموية.

والولايات المتحدة، التي دعمت في البداية حرب الاحتلال الإسرائيلي في غزة، تضغط الآن على “إسرائيل” لتجنب سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين أو النزوح الجماعي إذا استؤنف القتال.

لكن مع تمتع الحرب بدعم واسع النطاق بين الجمهور الإسرائيلي، يواجه بلينكن مهمة صعبة. ورغم أن الجهود الدبلوماسية تركز على تمديد وقف إطلاق النار، فإن أي صيغة لإنهاء الحرب لابد أن تسمح للاحتلال الإسرائيلي بـ “إعلان النصر”، حتى لو ظلت “حماس” على حالها.

ويقول ميلشتين إن الإطاحة بحكومة “حماس” وتدمير جيشها لا يزالان هدفين ممكنين. لكنه يعتقد أن هناك وعياً متزايداً بين صناع القرار الإسرائيليين بأنه “لا يمكننا حقاً أن نجعل هذه المنظمة تختفي”.