| جورج علم |
ترك وزير خارجيّة إيران، حسين أمير عبد اللهيان، وديعة لدى بعض من إلتقاهم في بيروت، قال بوجوب إنتخاب رئيس، وإعادة تفعيل المؤسسات الرسميّة. وجاءت زيارة وفد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى بكركي لتعزّز هذا المناخ، إنطلاقاً من رمزيتين:
الأولى، أن الزيارة هذه إلى بكركي، ما كانت لتتم لو لم يكن هناك من تشاور مع المرجعيّة السياسيّة الأبرز. كان هناك تنسيق للأدوار، وأيضاً للأفكار الصالحة للمناقشة.
الثانية، أن طهران تريد حاضنة وطنيّة قويّة للمقاومة في الداخل لم تتأمن بالقدر المطلوب، نظراً لتراجع دور المؤسسات الرسميّة الضامنة، ولغياب الحوار الجدي بين مختلف المكونات.
ويدور كلام في وسط كنسي بأن الزيارة تركت تراجيع صدى وسط صنوبرات جبل حريصا، ويقظة وجدانيّة حول الحاضر والمستقبل. وأكدت أن الحوار ضرورة، والباب الموصد بين المكونات الوطنيّة يمكن فتحه، والنهوض من مربعات الإنكفاء والانزواء والتباعد والتباغض، مصلحة وطنيّة كبرى للتلاقي في ساحة الحوار، والتشاور، والتفاهم حول كيفيّة إنقاذ ما تبقى قبل أن يجرف “طوفان الأقصى” الجميع.
ويدور كلام في الوسط الدبلوماسي، أن عبد اللهيان، في زيارته الأخيرة، لم يأت بصفته الرسميّة كوزير لخارجيّة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، بل كعضو متابع لقرارات القمّة العربيّة الإسلاميّة الاستثنائيّة الطارئة التي انعقدت في الرياض في 11 الجاري، حول غزّة، والعمل على وضع مخرّجاتها موضع التنفيذ.
وكان لهذا الجانب كلام واسع خلال لقائه مع كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وفي المحتوى، أن قادة 57 دولة عربيّة وإسلاميّة يمثّلون مليار ونصف المليار مواطن، إجتمعوا، وتناقشوا، واتخذوا قرارات، وكلّفوا لجنة متابعة من كبار وزراء خارجيّة دول المجموعة للعمل مع مجلس الأمن الدولي، والدول الخمس الكبرى الدائمة العضويّة، وصاحبة حق النقض “الفيتو”، بهدف وضعها موضع التنفيذ. وإن العمل يدور حالياً حول أولويات ثلاث: السعي إلى وقف دائم لإطلاق النار. وتبنّي حل الدولتين كمخرج لا بدّ منه للتحرّر من المأزق الذي بلغه الوضع المأزوم في الشرق الأوسط. وعقد مؤتمر للسلام يناقش سائر الملفات الساخنة، والوصول إلى تسويّة شاملة في المنطقة.
وبرز تطوران يمكن البناء عليهما:
الأول، أن كلاّ من روسيا والصين، إتخذتا مواقف متطابقة مع قرارات القمّة العربيّة الإسلاميّة الطارئة، الأمر الذي أثار شكوكاً لدى الإدارة الأميركية من قيام محور يضمّ 57 دولة عربيّة وإسلاميّة، إلى جانب روسيا والصين الدائمتي العضوية في مجلس الأمن، يتبنّى خريطة طريق حول غزّة، والقضيّة الفلسطينيّة، مغايرة تماماً لتلك التي تحاول الولايات المتحدة و”إسرائيل” فرضها عن طريق سياسة “العصا والجزرة” المتبعة في المنطقة.
الثاني، أن هذا التخوف دفع بالإدارة الأميركيّة إلى عقد قمّة سان فرانسيسكو بين الرئيسين الأميركي جو بايدن، والصيني شي جينبينغ، حيث طلب الأول من الثاني أن تسعى بكين لدى طهران لعدم توسيع دائرة الحرب في الشرق الأوسط، وأن تلعب دور الوسيط الإيجابي المسهّل للأمور المعقدة. وقد خرج الرئيس الصيني من القمة بعد أن أكد أمام مضيفه الرئيس بايدن، بأن دور الصين اليوم هو دور “الإطفائي”، مهمتها إطفاء الحرائق المندلعة في العالم. هكذا دورها من الحرب الأوكرانيّة، وقد طرحت مبادرة متوازنة لإنهاء الصراع، وهذا دورها تجاه حرب غزّة، والقضيّة الفلسطينيّة.
هل نجح الرئيس بايدن في تحييد الصين. وهل أحدث خرقاً للتحالف الروسي ـ الإيراني ـ الصيني في مواجهة “بنك الأهداف” الأميركي في المنطقة؟
المؤشرات الأوليّة لا توحي بذلك، لأن الرئيس الصيني سارع بعد قمة فرانسيسكو إلى الدعوة لعقد مؤتمر للسلام، وهذا قرار سبق أن اتخذته القمة العربيّة الإسلاميّة في الرياض. كما أعلن بشكل قاطع بأن لا حل للصراع إلاّ بإقرار حل الدولتين.
على خلفيّة هذا المناخ الدولي الإقليمي، وصل الوزير عبد اللهيان إلى بيروت، وفي جعبته خلاصات ثلاث:
• الهدنة يفترض أن تؤدي إلى واقف دائم وثابت لإطلاق النار.
• البديل عن عدم التوصل إلى وقف مضمون لإطلاق النار، هو الحرب المتعددة الجبهات.
• على اللبنانيين التحوّط للأمرين معاً بوضع حدّ للفراغ، وانتخاب رئيس للجمهوريّة، وتشكيل حكومة فاعلة، وعدم ترك البلد ساحة مباحة، وأبواب مشرّعة على المجهول.
بعد زيارة عبد اللهيان، كانت زيارة وفد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى بكركي.
لا يمكن الإستنتاج، والبناء على أوهام، والقول بأنه آن أوان التخلّي عن الإتكاليّة، ومواجهة الفراغ، وإعادة بناء المؤسسات. لكن، وبشكل متواز، لا بدّ من الإقرار بأن الولايات المتحدة شريك أساسي في مدّ بساط الفراغ، وشريك أساسي في منع تمدّد البساط الإيراني عندما حرمت اللبنانيين من الإستفادة من العروض التي قدمتها طهران في مجالات الطاقة، والكهرباء، والنفط.
وشريك أساسي في دعم “إسرائيل”، والتغاضي عن مجازر الإبادة التي ارتكبتها بحق أطفال غزّة، ونسائها، وشيوخها، والأبرياء من مواطنيها.
ويبقى أن لبنان، العالق ما بين السابع من تشرين الأول الماضي، تاريخ “طوفان الأقصى”، والرابع والعشرين من تشرين الثاني تاريخ بدء الهدنة، قد تحوّل إلى لبنانَيْن. لبنان يحاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تجنيبه إجتراع الكأس المرّة بمناشدة الدول الصديقة والشقيقة الضغط على “إسرائيل”، ومنعها من تحويله إلى غزّة. ولبنان المقاومة التي تزرع طريق القدس بدم الشهداء….
توحيد “اللبنانيين”، ضرورة، قبل فوات الأوان… وهذا يتمّ عن طريق وضع حدّ للفراغ، وتفعيل المؤسسات…