عز الدين القسّام.. من “شيخ الكتّاب” إلى “شيخ المقاومة”

| خلود شحادة |

حملت “كتائب عز الدين القسام”، التي اشتهرت إعلامياً بـ”كتائب القسام”، مشعل الجهاد ضد العدو الإسرائيلي، ورفعت صوت الرفض للإحتلال وكل أشكال الرضوخ والمساومة.
بين الخبر والخبر عن فلسطين، يلمع إسم “القسّام”، ليعيد الأمل بتحرير الأرض المقدسة من رجس الصهيونية.
منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى”، استطاعت “القسام” أن تعيد حلم تحرير الأرض إلى كل فلسطيني في مشارق الأرض ومغاربها، وأثلجت قلوب العرب، حاملي القضية، وقلوب كل المناصرين للحق والمناهضين للباطل، بسبب الخسائر المدوية التي لحقت بالعدو الإسرائيلي بآلياته ودباباته وجنوده…
فمن هو عز الدين القسام الذي حمل إسمه الجناح العسكري لـ”حركة المقاومة الإسلامية” ـ “حماس”؟
ولد عز الدين عبد القادر القسّام في بلدة جبلة جنوب مدينة اللاذقية السورية العام 1882.
والدته: حليمة قصّاب، ولديه شقيق واحد وهو فخر الدين، وشقيقة إسمها نبيهة، بالإضافة إلى أربعة أخوة من أبيه وهم: أحمد، مصطفى، كامل، شريف.
تزوج القسام من أمينة نعنوع، وأصبح أباً لمحمد وثلاث بنات.
تلّقى دروسه الابتدائية في بلدته في “كتّاب” والده. سافر وهو في الرابعة عشرة إلى القاهرة، والتحق بالجامع الأزهر، وأخذ العلم من أئمته، ومنهم الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا.
بعد نيله شهادة “الأهلية”، عاد عز الدين القسّام إلى جبلة سنة 1903، حيث خلف والده في “كتّابه” يعلّم أصول الكتابة والقراءة وحفظ القرآن وبعض العلوم الحديثة.
تشرّب عز الدين القسّام، خلال إقامته في مصر، أجواء الغليان الوطني ضد الاحتلال البريطاني، عقب فشل الثورة التي قادها الضابط في الجيش المصري أحمد عُرابي، وروح الدعوات الإصلاحية لحفظ الأمة بالاتحاد والاعتماد على النفس ومقاومة الاحتلال الأجنبي.
تولّى الشيخ عز الدين القسّام إمامة المسجد المنصوري في جبلة، وبخطبه ودروسه وسلوكه، غدا موضع احترام الناس، وامتدت شهرته وحسن سمعته إلى المناطق المجاورة.
دعا القسّام، بعد هجوم إيطاليا على ليبيا سنة 1911، إلى نصرة الشعب العربي الليبي عن طريق التظاهر والتطوع للقتال إلى جانبه، ثم كان من أوائل من انضم إلى الثورة ضد الاحتلال الفرنسي في الساحل السوري ما بين سنة 1919- 1920، وقاتلهم بشراسة، فأدرك الفرنسيون خطورته وحكموا عليه بالإعدام.
التجأ القسّام مع أسرته وبعض إخوانه إلى مدينة حيفا في أواخر سنة 1920، حيث عمل مدرّساً في مدرسة “البرج” الثانوية التي أنشأتها “الجمعية الإسلامية”، المسؤولة عن إدارة الأوقاف الإسلامية في منطقة حيفا، ثم صار يعطي دروساً دينية في جامع “الاستقلال”، الذي شيّدته “الجمعية الإسلامية” نفسها، ملفتاً الأنظار بمواعظه. وبعد سنوات قليلة، أصبح إماماً وخطيباً في الجامع ذاته. كما أنشأ مدرسة ليلية لمكافحة الأمية.
شارك القسّام في تأسيس فرع “جمعية الشبان المسلمين” في مدينة حيفا، وانتخب، في تموز 1928، رئيساً له، فكانت هذه الجمعية وسيلة فعّالة لنشر الوعي الوطني بين صفوف الشباب والرجال واستقطابهم.
عيّن القسّام سنة 1930 مأذوناً شرعياً من قبل المحكمة الشرعية في حيفا، فصار يخرج إلى قرى الجليل ويتصل بالناس ويتعرّف إليهم، الأمر الذي زاد من شيوع صيته.
تابع القسّام استفحال الخطر الصهيوني بسبب السياسة البريطانية الداعمة لمشروع “الوطن القومي اليهودي”، ووصل إلى قناعة بأن بريطانيا هي العلّة والمعلول، وأن لا سبيل إلى ردعها سوى بالكفاح المسلح المباشر ضدها، وأن لا سبيل إلى ذلك سوى بالإيمان الصادق ونبذ الحزبية والعائلية والتضافر والتضحية والالتزام بسرية العمل وإحكام التنظيم والتوقيت، فضلاً عن حنوه على الفقراء وذوي الدخل المحدود وسعيه المتصّل لتحسين حالهم، فاستقطب بذلك في حلقاته الخاصة ولاء دوائر زادت اتساعاً من سكان الريف وشيوخه ممن وفدوا إلى حيفا للعمل في مينائها ومصانعها ومصفاتها، وسكنوا في أحياء بائسة تحيط بالمدينة شرقاً، وكان الكثيرون منهم ممّن أُجلوا عن أراضيهم لانتقال ملكيتها إلى أيدي الصهاينة.
لم يكن القسّام يرغب في إعلان الجهاد ضد الاستعمار البريطاني قبل استكمال استعداده، بيد أن طوفان الهجرة اليهودية الجماعية في سنوات الثلاثينيات الأولى من القرن العشرين، حيث ارتفع عدد اليهود في فلسطين من 175138 في عام 1931 إلى 355157 في عام 1935. وقبل أن يدعو القسام إلى حمل السلاح، ظهرت مجموعات مسلحة تشن عمليات عسكرية ضد المنشآت البريطانية واليهودية في فلسطين، بزعامة أحمد طافش.
حملت المجموعة اسم “الكف الأخضر” وقامت بسلسلة من الهجمات ضد الأهداف البريطانية واليهودية في أكتوبر/ تشرين الأول 1929، بدعم من المقاومين الدروز القادمين من سوريا بعد سحق ثورتهم ضد الفرنسيين.

استفاد القسام من تجربة جماعة “الكف الأخضر” واستعان ببعض أفرادها لتشكيل خلايا نائمة وناشطة في مدن وبلدات متعددة. حمل التنظيم الجديد اسمي “جمعية مجاهدي سوريا” و”جمعية التسليح” في بداية الأمر لكنه عُرف بعد ذلك بـ “الكف الأسود” الذي نفذ مقاتلوه أول عملية لهم في ربيع 1931 حيث كمنوا لمركبة تقل مسلحين يهوداً في طريق ياجور قضاء حيفا، فقتلوا ثلاثة وجرحوا أربعة، ولم يُصب أي من المُهاجمين.
وفي شهر يناير/ كانون الثاني 1932، وأثناء إطلاق مقاتلو “الكف الأسود” النار على مستوطنة “نهلال”، وهي أول مستوطنة يهودية في فلسطين، قرب مرج بن عامر. وشنت سلطات الانتداب البريطاني حملات تصفية واعتقال لأعضاء التنظيم. لكن التحقيقات فشلت في الكشف عن القائد العام للتنظيم القسام. وعلى أثر ذلك قرر القسام تجميد العمل العسكري لعامين ونصف.
في 12 تشرين الثاني من العام 1935 أعلن عز الدين القسام، في خطبة علنية في جامع “الاستقلال” ليلاً في حيفا، عن بدء العمل العسكري ضد القوات البريطانية التي كانت بدأت التضييق عليه، ويتجه من ثم مع أحد عشر من المقاتلين إلى أحراج قرية “يعبد” قرب مدينة جنين، فكانت معركة غير متكافئة، دامت ست ساعات، مع القوات البريطانية، يوم 20 من الشهر نفسه، حيث استشهد الشيخ عز الدين القسام فيها مع أربعة من رجاله وجرح وأُسر الآخرون.
شهدت مدينة حيفا إضراباً شاملاً في 21 تشرين الثاني 1935، بعد وصول خبر استشهاده، فأُغلقت الحوانيت والمتاجر والمطاعم، وودع الآلاف من سكانها الشهيد عز الدين القسّام ومن استشهد معه من أنصاره في أضخم جنازة عرفتها المدينة.
دفن الشيخ القسّام في مقبرة “بلد الشيخ” في حيفا.
وبعد نضاله، أصبح عز الدين القسّام شيخ مشايخ الجهاد الفلسطيني، حيث لعب استشهاده دوراً كبيراً في إشعال الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 – 1939)، وألهم المقاومة الفلسطينية جيلاً بعد جيل، حتى حمل الجناح العسكري لـ”حماس” اسمه، وفاءً لذكراه، وتيمّناً بخطاه على طريق تحرير القدس.