“لمّ الصواني” بين “النية الحسنة”.. والتعبير “غير الملائم”!

| مرسال الترس |

لم يكد البطريرك الماروني بشارة الراعي يمرّر عاصفة تأخر أخذ موقف من الحرب على غزة بأقل الخسائر الممكنة، حتى جاءه طوفان “لمّ الصواني” في الكنائس من أجل مساعدة أبناء الجنوب النازحين من قراهم، ليترك ندوباً ليس من السهل تجاوزها، لأن بعضها قد تجاوز حده بكثير، وطال العلاقة بين الطوائف والمذاهب في بلد متخم بالتناقضات.

فمن المعروف عند المسيحيين أن تدبير “لمّ الصواني”، عن طريق “تمرير طبق” أو وضع صندوق في آخر قاعة الكنيسة أو أية طريقة أخرى لجمع الأموال، معتمد منذ مطلع انتشار المسيحية، حتى أن القديس بولس، رسول الأمم وكاتب الرسائل، كان يطلب من الكنائس في “كورنثوس” في اليونان، و”غلاطية” في بلاد الأناضول التركية وسواهما، أن تجمع الأموال من أجل نقلها إلى الفقراء في مدينة القدس. في حين أن طائفة الروم الكاثوليك تسمي التدبير: “فلس مار بطرس” من أجل حراسة الأماكن المقدسة والحفاظ عليها.

ولكن دعوة البطريرك الراعي من أجل “لمّ الصواني” لمساعدة أهل الجنوب اللبناني، بدون تحديد الطائفة والمذهب، قد جاء متزامناً مع حديثه عن “اليوم العالمي للفقير” أثناء ترؤسه مؤتمراً للإعلان عن ذلك اليوم. مما سمح لبعض النفوس الضعيفة، أن تعطي الخطوة ذات الإبعاد الإنسانية أكثر من تفسير ملتبس.

ففي حين قصد البطريرك من دعوته “مساعدة أهلنا في الجنوب” بعدما “رأينا أن الحاجات تزداد، ونحن مهددون بالحرب الدائرة إلى جانبنا وأهالينا نزحوا من بيوتهم في الجنوب، أي المزيد من الفقر”، من منطلق أن الكنيسة تهدف إلى تحمل المسؤولية تجاه أعضائها والمجتمع المحيط بها، وأيضاً تجاه الله. خرجت الحملات التحريضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد سيد بكركي على خلفيتين متناقضتين:

• الأولى من الطوائف غير المسيحية التي اعتبرت الأمر انتقاصاً من قدرها الاجتماعي، وشنّت هجوماً لاذعاً على الراعي، حتى أن بعض أصواتها انزلق إلى حد وصفه بـ “الصهيوني”، الأمر الذي استدعى إطلاق الزعيم الدرزي وليد جنبلاط موقفاً مستنكراً لأي كلام تحريضي ضد البطريرك الراعي، ليليه رئيس مجلس النواب نبيه بري بإعلان رفض حملات الافتراء على مقام البطريرك حيال دعوته الصادقة إلى دعم النازحين اللبنانيين. مشدداً على أنه “موقف رسالي وطني جامع”، معتبراً أن ما تعرض له جاء عن سوء فهم ليس إلاّ”.

• الثانية من بعض الأفرقاء المسيحيين، “التيار الوطني الحر” بشكل أخص، على خلفية التناقض بين موقفه وموقف بكركي حول تأخير تسريح قائد الجيش العماد جوزيف عون. في حين كان سيد الصرح يفكر بالقيام بزيارة الى بعض القرى الجنوبية، المسيحية على وجه الخصوص، لإبداء دعمه لوجودهم في مناطقهم، على غرار الزيارة التي قام بها السفير البابوي للمنطقة بعد عملية “طوفان الأقصى”. والضغط المتعدد الجوانب التي بدأت البلدات والقرى تتعرض له.

ولذلك جاءت بعض المواقف المسيحية الداعمة لموقف البطريرك بمثابة لزوم ما لا يلزم، لأنها صادرة عن مراجع دينية أو قريبة من الصرح، ولأنها غير سياسية، أو قادرة على تأمين الدعم اللازم لقيام البطريرك بزيارته الحدودية في الظرف الراهن.