| مرسال الترس |
تساؤلات كثيرة، ومن أوساط محلية وخارجية، طُرحت حول خلفيات تأخر البطريرك الماروني بشارة الراعي، لمدة شهر ونيف، في إطلاق موقف من الحرب التي انطلقت على غزة بعد ساعات على تنفيذ عملية “طوفان الأقصى”، في السابع من تشرين الأول الماضي.
بعض الأوساط القريبة من الصرح البطريركي الماروني، أو التي تدور في فلكه، روجّت تبريرات، في مضمونها: أن البطريرك والكرادلة، عندما يشاركون في مؤتمر روحي أو ديني في حاضرة الفاتيكان، يمتنعون عن إطلاق المواقف المرتبطة بالسياسة أو بالشؤون الحياتية الأخرى.
لكن مصادر روحية مارونية متابعة، أكدت أن هذه التبريرات ليست سوى منطقية، فالمشاركة في المؤتمرات الروحية أو الدينية لا تمنع أبداً الكرادلة أو البطاركة من الأدلاء برأيهم في أي موضوع، فكيف إذا كانت المسألة ترتبط بمشكلة وطنية أو بقضية على مستوى القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب الأولى، وفي أحداث غير مسبوقة كالتي حدثت عند غلاف غزة المحتلة أو المحاصرة منذ عشرات السنين؟
اللافت أن تجاهل البطريرك لحدث سيغيّر وجه الشرق الأوسط وقضاياه، مهما كانت نتائج الحرب الدائرة، قد تزامن مع تعليقات خجولة جداً من بعض “كبار” القيادات السياسية والحزبية في الطائفة، باستثناء عدد قليل من بينهم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي بادر منذ اللحظات الأولى للعملية، وما تلاها من حرب مدمرة وغير إنسانية، وتابعها في مواقفه وتغريداته وإطلالاته الاعلامية بأدق التفاصيل” الأمر الذي دفع سيئي النية الى التساؤل عما إذا كان من باب التنسيق غير المعلن لدى القسم الأكبر من أركان الطائفة، والذين وُسمت ببعضهم أو بأحزابهم علاقات تنسيقية، وربما أكثر، مع العدو الاسرائيلي في مراحل معينة.
ولكن في حين بقي هؤلاء الزعماء المشار اليهم في المساحة الرمادية من الحرب الطاحنة، والتي تحمل ملامح لجوء جديد يذكّر بما حصل في العام 1948 أو ما تلاه، خرج البطريرك الراعي في عظة يوم الأحد الفائت الذي تلا إنعقاد القمة العربية ـ الاسلامية على أرض المملكة العربية السعودية، وبمشاركة رئاسية إيرانية تركت أكثر من دلالة إيجابية، ليطلق مواقف حاسمة حول “تبني مضمون بيان القمّة لحلّ الدولتين”، مصفقاً لأن يكون حكام الدول السبعة والخمسين المشاركين “صانعي سلام بشجاعة”.
ولم يكتف بذلك بل قال: “نشجب ونُدين الحرب الإباديّة الوحشيّة على قطاع غزّة، والتدمير المبرمج للمنازل والمدارس والمستشفيات، والكنائس والمساجد بهدف طرد الفلسطينيّين من أرضهم، والقضاء على قضيّتهم بعد خمس وسبعين سنة”، واصفاً تلك الحرب بـ”الإباديّة الوحشيّة الخالية من أي روح إنسانيّ”!
كلام الراعي يستحق لقباً عروبياً يليق بالصرح، الذي حمل مثل تلك الالقاب في ظروف دقيقة جداً في السابق البعيد، كالتي تشهدها منطقة الشرق الأوسط التي ألمحت واشنطن أنها تريده “شرق أوسط جديداً” وفق معايير مختلفة عن السابق!