/ فاطمة نعيم /
“اشترينا على الغالي”.. عبارة بات تداولها في الأسواق اللبنانية أمرًا محتومًا، فالأسعار ثابتة، حتّى مع انخفاض الدولار الذي عوّل عليه اللبنانيون.
لم يعد سعر الدولار وحده الذي يحدّد لوائح الأسعار التي لا تتغيّر إلاّ صعودًا، بل بات يحكمها جشع كبار التّجار وتغاضي الدولة عنهم!
ومع تسجيل الدولار انخفاضًا لامس العشرة آلاف ليرة في الأيام الأخيرة، لم تسارع المحال إلى إقفال أبوابها، كما كانت تفعل عند صعود الدولار في السوق السوداء، على الرغم من تراجع السعر في السوق السوداء نفسه، حيث سجّل نحو 23 ألف ليرة، بعدما بلغ سابقاً 33 ألف ليرة للدولار الواحد، وتم تسعير كل البضائع على سعر 35 ألف ليرة للدولار الواحد!
الحديث ليس عن الكماليات عند ذكر ارتفاع الأسعار، إنّما عن أولى الأولويات التي تشكّل لقمة عيش الفقير، وإن باتت الغالبية في لبنان من الفقراء. فمقارنة أسعار السلع الأساسية في مختلف السوبرمركات، مع ما كانت عليه عندما كان الدولار صعوداً، مرتفعة جدًّا، حيث أنّ كيلو اللّبنة البلدية بلغ سبعين ألف ليرة لبنانية، وربطة الخبز بلغت تسعة آلاف ليرة لبنانية أمّا قارورة الغاز فوصلت إلى 285 ألف ليرة لبنانية. ناهيك عن اللّبن الذي لم يعد بأربعة أو خمسة آلاف ليرة لبنانية بل تعداها إلى سبعة أضعاف أو أكثر، فضلاً عن البنزين وباقي المحروقات التي يتراجع سعرها ببطء شديد، بخلاف ما كان عليه عندما كان الدولار يتحرّك صعوداً.
توضح رنا ناصر الدين أنّها لم تلمس أي فارق حقيقي في الأسعار، على خلاف توقعاتها، فأسعار الكعك لا تزال كما هي، وتبرير صاحب السوبرماركت هو “أنّهم استلموا الطحين على سعر مرتفع حتى عند انخفاض الدولار”.
يتّفق أحمد النابلسي مع رنا في رؤيته للأسعار، إلاّ أنّه يلفت إلى تغيّر أسعار كل من الدجاج واللحمة حيث سجّلت جوانح الدجاج على سبيل المثال انخفاضًا نحو النصف. كما سجّلت “المتبلات” انخفاضًا من مئة وثلاثين ألف ليرة إلى تسعة وتسعين ألف ليرة لبنانية.
مسؤولية عدم انخفاض الأسعار لا تقع على مستوردي المواد الغذائية، بحسب تأكيد رئيس نقابة مستوردي الموارد الغذائية في لبنان النقيب هاني البحصلي لموقع “الجريدة”، فشركات الاستيراد خفّضت أسعارها، وأصدرت لوائح أسعار جديدة تراعي الانخفاض في سعر الدولار، مشيرًا إلى أنّ لوائح الأسعار توضع كل ثلاثة أيام وتوزّع على التّجار. و يؤكّد أن التغيّر المستمر للأسعار، وعدم انتظام السوق سببه عدم استقرار سعر صرف الليرة، داعيًا الدولة إلى تثبيت سعر صرف الدولار ولو أسبوعيًا على الأقل.
مراقبة الأسعار ليست من مسؤولية المواطن، ولا يجب أن تُترك تحت وطأة نزوات التجار، بل تحتاج إلى أجهزة تكافح هذه المخالفات، وتسطّر محاضر ضبط في حق المخالفين. وقد حصلت جولات “استعراضية” لوزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام الأسبوع الماضي، من أجل مراقبة الأسعار. لكن، هذه الجولات ليست الطريقة لخفض الأسعار.
يؤكّد رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو لـ”الجريدة” أنّ أسباب عدم انخفاض الأسعار تعود إلى “نظامنا الاقتصادي ـ المالي ـ المصرفي ـ التجاري، تسيطر فيه الطبقة السياسية والتجار على الاقتصاد اللبناني”، موضّحًا أنّ انخفاض الدولار يشكّل بالنسبة لهم “فرصة إضافية من أجل مراكمة الأرباح”.
كما يشير برو، وبحسب إحصاءات جمعية حماية المستهلك، إلى أنّ أسعار المواد الغذائية ارتفعت 2000%، ومع انخفاض الدولار انخفضت الأسعار بنسبة محدودة جدًأ لا تتجاوز 15%، وهي جاءت تحت الضغط.
واعتبر برو أنّ وزارة الاقتصاد تتلهّى بأمور لا تؤثّر على الإطلاق في انخفاض الأسعار، معتبراً أنّ مراقبة التاجر الصغير وطلب الفواتير منه “أمر غير مجدي”، لأنّ التاجر قادر على اللّعب بالفواتير. ودعا برو الحكومة والنواب إلى معالجة الأسباب الرئيسية للأزمة .
وكانت جمعية حماية المستهلكين قد أشارت، في بيان سابق لها، إلى أنّ الحلول تتمثّل في إقرار خطة تعافي، ووقف خروج العملة الصعبة، وجدولة دفع الودائع بالدولار أسبوعيًّا أسوة بكل الدول بدلاً من دفعها وتهريبها يوميًّا للسياسيين والتجار، ودعوة المغتربين اللبنانيين للتجارة المباشرة مع المناطق والقرى والأسواق اللبنانية، لتخطّي احتكار عصابة تجار السياسة وعائلاتهم الذين يهيمنون على الأسواق وعلى المعابر.
إشارة إلى أنّ رواتب اللبنانيين لم تعد تغطّي نفقاتهم الأساسية، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة لبنانية، أي ما يعادل 29 دولار فقط وفقًا لدولار 23 ألف ليرة لبنانية.
إذن، الوضع لم يعد يحمل المزيد من الحلول المؤقتة، كتسطير محاضر ضبط، والتي برأي وزير الاقتصاد، أنه في ظل ارتفاع سعر الدولار، “لم يعد المخالف يهتم بالعقوبة المالية نظرًا لتدني قيمتها”، أو إصدار المزيد من التعاميم المصرفية، إنّما نحتاج إلى حلّ جذري يتحمّل فيه الجميع ما أوصلونا إليه.