/ جورج علم /
إستقبل رئيس الجمهورية ميشال عون “أعضاء الهيئة الدوليّة العليا المشرفين على الإنتخابات”، والمعتمدين في لبنان، وانتقد المال السياسي، ووجّه اتهاماً مباشراً الى البعثات التي “تقوم بأدوار تتجاوز واجب التنسيق مع مؤسسات الدولة”، موجّهاً سهامه الى بعض السفراء الذين “يتعاطون مباشرة مع جمعيات ومجموعات، بعضها نبت كالفطر بعد إنفجار المرفأ ويعمل على إستثمار الدعم المادي، والإنساني، لأهداف سياسيّة، وتحت شعارات ملتبسة، خصوصا وأن لبنان على أبواب انتخابات نيابّيّة”.
تحت قناطر القصر، خفايا وخبايا، “جماعات السفارات” بدأت تتحوّل الى “تيّارات” مموّلة، مدرّبة، تستجيب للتعليمات، ووفيّة للإلتزامات، وقد بلغ الأمر عند العديد من السفراء اجتياح المناطق، والأحزاب، والطبقات الإجتماعية على إختلاف مذاهبها ومشاربها، عن طريق المال الغرضي الذي يوزّع تحت يافطة “المساعدات الإنسانيّة”.
تنامى هذا السلوك بعد إنفجار المرفأ، على خطيّن: اتهام الطبقة الحاكمة بالفساد، وتهديدها بالعقوبات، ثم التوغل في تنظيمات المجتمع المدني، بمعزل عن المؤسسات الرسميّة صاحبة الصلاحيّة. وقد تحوّل بعض السلك الدبلوماسي المعتمد الى “هيئة دوليّة عليا تريد التغيير من خلال الانتخابات”، وتتصرف بحريّة، دون حسيب أو رقيب، وكأن الوطن مباح مستباح، أو كأن السفراء يملكون “صكّ توكيل”!
السفارة الأميركيّة ردّت على بعبدا مباشرة. 40 مليون دولار من الوكالة الأميركيّة للتنميّة توزّع “كمساعدات إنسانيّة”. هناك “إصرار بالعمل على الإستثمار في مجموعات المجتمع المدني، سعياً لإنجاز تغيير سياسي ما”!
“تيّار السفارة” يتوسّع، ويزداد زخماً وتمدداً، بدليل أن التمويل الجديد يرفع إجمالي المساعدات الأميركيّة الى أكثر من 440 مليون دولار منذ تشرين الأول 2020. الرئيس جو بايدن أعلن في 11 آب 2021 عن تقديم 100 مليون دولار، لكن اين ذهبت؟! ومن هي الجهات المستفيدة؟! الجواب عند “طاقم السفارة”.
“التيّار” الفرنسي لا يقلّ نفوذاً، السفيرة آن غريو حصانها جامح، وصولاته لا تهدأ: “أنا هنا لأنفّذ توجيهات الرئيس إيمانويل ماكرون”، والرئيس ماكرون جاء يوماً في عزّ لهيب آب، وجمع “التلاميذ” في “مدرسة” قصر الصنوبر، وحمل المسطرة بيد، والطبشورة باليد الأخرى وراح يكتب على اللوح:
“فرنسا ستقدم في الأشهر الـ 12 المقبلة 100 مليون يورو، مع إرسال نصف مليون جرعة من لقاحات فيروس كورونا”.
فرنسا، وبالتعاون مع الأمم المتحدة، ترأست في 4 آب مؤتمراً دوليّاً ثالثاً لدعم الشعب اللبناني، وكان تعهّد من الدول المشاركة بتقديم 370 مليون دولار للشعب اللبناني.
باريس، ومن خلال جمعية “مؤسسة فرنسا”، قدمت مليوني دولار، في آب الماضي، لدعم الشعب اللبناني.
ولم ينس “الأستاذ” ماكرون تذكير “التلاميذ” بـ”الإجراءات التي ستتخذ ضد سياسيين لبنانيين يلعبون دوراً سلبيّاً في البلاد”، مؤكدا أنه “لن يتمّ منح الأموال للنظام اللبناني”، من دون أن يشير الى النظام الذي يسعى إليه من خلال الشلال الهادر بالمساعدات، ويستحق تلقي الأموال!
عندما أنهى رئيس لجنة الشؤون الخارجيّة في الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة جان لوي بورلانج، جولته الأخيرة على المسؤولين، والقيادات قال: “سمعت الكثير من الضجيج، هناك الكثير من الطواحين، وكل طاحونة لها سياقها الخاص. الكل يريد الإنتخابات، لكن كل يريدها وفق معاييره، وبين الطواحين والشعب هوّة عظيمة، دقيقها مقنن، وطحينها لا يصل منه شيء إليه”. هل هذه حجة، لكي تتحول بعض السفارات إلى مفاتيح انتخابيّة لها تياراتها العريضة، التي ستغور في صندوقة الاقتراع يوم الاستحقاق، لتفرض التغيير الذي تتطمح اليه؟
الرئيس عون حذّر من تحويل المساعدات الى مالٍ سياسي في الانتخابات! هل هو من موقع الحرص على شفافيتها، أو لحسابات أخرى؟
أيّاً تكن الردود، هناك معادلة فرضت نفسها بعد 4 آب 2020: “السفارات تقود تيارات، نحو الإنتخابات لإحداث التغيير… لكن أيّ تغيير؟ وهل ستحصل انتخابات؟!