تراوحت ردود الفعل الشعبية والسياسية على خطاب نصر الله، بين من رحّب بكون قائد المقاومة لم يتصرّف بانفعال رغم قساوة اللحظة الفلسطينية، ومن تصرّف بـ”خيبة” لاعتقاده أو رهانه على مواقف أكثر «قساوة» ضد الاحتلال. وإذا كان أبناء قطاع غزة، هم الأكثر تفاعلاً، وهم فقط من يحقّ لهم مطالبة حزب الله وقائده بالمزيد أو الكثير، فإن الأمر يتحول الى نكتة عندما تصدر تعليقات من أشخاص أو جهات تمثّل تاريخياً الخط المعادي للمقاومة.
وبعيداً عن الانفعالات والمزايدات، يجب الإشارة الى أن نصر الله لم يكن في موقع يحسد عليه إزاء ما يمكن قوله لجمهور محبّ للمقاومة، لكنه جمهور غابت عنه الشروحات الضرورية من جانب قيادة المقاومة خلال الأسابيع الماضية. وهذه نقطة سلبية تسجل في حق الحزب، نظراً إلى كون الناس تركوا ليقعوا تحت تأثير كبير لجرائم العدو ومآسي أبناء قطاع غزة، لكنهم تركوا أيضا فريسة جماعة «فائض القوة» من ناشطين وإعلاميين وحتى سياسيين، نصّبوا أنفسهم أعضاء في غرفة العمليات المشتركة، وتصرّفوا مثل العارف بكل تفاصيل ما جرى ويجري، وقد توالى هؤلاء على الظهور بصورة مكثفة، مطلقين العنان لمخيّلة غير مسبوقة، ولم يتم الاكتفاء بتحليلات عسكرية وسياسية لا صلة لهم بها، بل أكثروا من الحديث عما يعرفون حول ما تخطط له المقاومة في لبنان والمنطقة. وتسبّب هؤلاء، الى جانب الصمت الطويل لنصر الله، وعدم مبادرة قيادة حزب الله الى تقديم شروحات حول ما يحصل، برسم صورة جعلت الجمهور أمس ينتظر من نصر الله الإعلان عن المعركة الكبرى.
ومع ذلك، فإن ما أعلنه قائد المقاومة في لبنان عكس الى حد بعيد التصور المشترك لمحور المقاومة كله. وهو معروف بأنه الشخصية الأكثر نفوذاً على صعيد المحور، والذي تصبّ لديه المعطيات الخاصة بجميع الساحات وبصورة مفصلة. وكان عليه القيام بمهمة إعادة شرح الواقع على ضوء ما حصل في فلسطين من عملية طوفان الأقصى الى المعارك الدائرة في غزة، مروراً بالحشد العسكري الأميركي والغربي الداعم لإسرائيل في المنطقة.
لم يكن نصر الله مربكاً أمس، بل ربما كان متماسكاً أكثر مما يتوقعه المرء، من رجل مجبول بالعاطفة إزاء جرائم العدو ضد شعوب المنطقة، وخصوصاً فلسطين التي تبقى العنوان المركزي لجهده شخصياً، ولجهد المقاومة ومحورها. وكل كلام قيل ويقال في معرض الاحتجاج أو التطلب، يبقى في إطار مقبول، طالما أن ثقة الناس بالمقاومة في لبنان وفلسطين ثابتة وقوية كما تظهر أيامنا القاسية هذه.