/ بيروت حمود /
اعترفت “إسرائيل” بمقتل 19 من جنودها في المعارك الدائرة في قطاع غزة، من بينهم 8 سقطوا إثر تحويل المقاومة “مفخرة” الصناعات الحربية الإسرائيلية – مدرّعة “النمر” – إلى تابوت، ليُفتح، على هذه الخلفية، صنبور غضب المجتمع الإسرائيلي؛ ذلك أن “النمر” تُعدّ آلية “فائقة التحصين”، ومن “المستحيل إعطابها”، لا بل هي أُعدّت لمنع “كارثة” من هذا النوع. وبدأت قصّة تطوير تلك الآلية المُصفّحة، وفق المتخصّص في مجال المركبات العسكرية، إيدي عيتسون، في يوم 12/05/2004، وهو اليوم نفسه الذي تلقّى فيه الجيش الإسرائيلي ضربةً قاسية، بعدما استهدف مقاتلو حركة “حماس” ناقلة جند من طراز «أم 113»، كان على متنها خمسة جنود من وحدة الأنفاق في «كتيبة غزة»، ما أدّى إلى مقتلهم جميعاً. فتحت مشاهد الجنود الزاحفين على محور فلادلفيا في ذلك اليوم، وهم يبحثون عن جثث رفاقهم، نقاشاً حامياً في إسرائيل، محوره جدوى البقاء في غزة، وضرورة الانسحاب من هناك بموجب خطّة “فكّ الارتباط”.
كما “أدرك الجيش الإسرائيلي آنذاك أنه لا يمكن الانتظار أكثر للشروع في تطوير ناقلات الجند الثقيلة”، علماً أن المشروع «امتدّ لسنوات طويلة، وتقرّر في نهايته تصنيع ناقلات الجند على أسس مشابهة لدبابة «الميركافا”.
وهكذا، فإن “ناقلة الجند المُدعاة نمر، أُعدَّت لغرض عدم تكرار الكارثة التي حلّت بناقلات الجند القديمة، وقد حظيت بتحصينات مشابهة تماماً لتلك التي حظِيَت بها دبابات “الميركافا”، بحيث صُمّمت لتصمد أمام الصواريخ المضادة للدروع وقذائف “الآر بي جي”، بل ثمّة مساعٍ بُذلت لتحصينها بمنظومات ذكية مضادة للصواريخ». وطبقاً لعيتسون، فقد «بذلت الصناعات الدفاعية الإسرائيلية جهوداً كبيرة لتطوير سرعة الناقلة، بحيث زُوّدت بمحرك قوته 900 حصان، كما أضيف إليها رشاش من نوع م غ يُشغّل من الداخل حتى لا يتعرّض الجنود للخطر، فضلاً عن تزويدها بقاذفات قنابل». أمّا أول مَن حظي بتجربة ركوب «النمر»، فكان جنود وحدة “غولاني”.
وبعد ذلك، اشترى الجيش الأميركي ثلاثاً منها، “غير أنها سرعان ما تهاوت خلال الاختبارات؛ إذ لم تصمد أمام الصواريخ المضادّة للدروع، ما عرّضها لانتقادات شديدة بسبب النقص الذي شابها على مستويات عدّة، في مقدّمتها قلّة التحصين، والهندسة البشرية، ودرجة القوة”.
وفي هذا السياق، يلفت المتخصّص في مجال المركبات العسكرية، إلى أن «عملية تجهيز وتحصين “النمر”، ظلّت تتقدّم ببطء شديد، نظراً إلى التكاليف الهائلة؛ إذ اتّضح أن كل ناقلة تُكلّف نحو 3 ملايين دولار، وهو ما دفع الجيش إلى التخلّي عن الفكرة، ونقل هذه الميزانيات للاستثمار في مشاريع دفاعية ثانية، خصوصاً مع تصاعد الانتقادات للمشروع من جانب رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست في حينه، النائب من الليكود، يوفال شطاينتس، والجنرال يفتاح رون-طال، اللذيْن ادّعيا أن الحديث يدور عن استثمار باهظ الكلفة في مجرّد «ناقلة» لميدان القتال، وأن «النمر» يجب إعدادها أساساً بطريقة مغايرة تماماً”.
وفي ضوء هذه الظروف، اضطر الجيش الإسرائيلي لأن يُحارب مرّة أخرى بناقلات جند من طراز “أم 113″ في عدوان «الجرف الصامد” على غزة (2014)، ليدفع مجدّداً ثمناً باهظاً، «خصوصاً في معركة الشجاعية حين قُتل سبعة من جنود غولاني داخل الناقلة، وخُطف من داخلها الجندي آرون شاؤول». ومع انتهاء حرب 2014، قرّر الجيش الإسرائيلي تسريع تجهيز ناقلات “النمر”، ليحصل لواءا «غفعاتي» و«كرميلي» عليها منذ ذلك الحين، ويجري تخصيصها للوحدات الهندسية في الجيش، والتي تقوم بمهام اختراق العوائق. وبحسب عيتسون، فإن «الجيش يمتلك اليوم مئات من هذه الناقلات، المُعدّة لحمل ثمانية جنود، وذلك بالتوازي مع تطوير ناقلات محصّنة من طراز نمر 2، مزوّدة بمحرّكات بقوة 1500 حصان، وشاشات تعمل باللمس». ومن هنا، يتساءل الخبير نفسه: «إذاً ما الذي حصل ليل الثلاثاء – الأربعاء؟»، ليجيب بأنه وفقاً للتفاصيل، فإن «النمر هوجمت بصاروخ مضاد للدروع»، مذكّراً بما جرى في عام 2014، حين «سُجّلت ثلاث وقائع نجت فيها ناقلة النمر من هجمات بصواريخ مضادة للدروع، وقذائف آر بي جي، وحتى من مبنى فجّره مقاتلو حماس وأسقطوه على إحدى الناقلات. وفي الوقائع الثلاث المذكورة، تمكّنت النمر من الحفاظ على حياة الجنود وحمايتهم، ولم تُسجل أيّ خسائر في الأرواح”.
إلا أنه «كان من المفترض بدءاً من عام 2016، أن تُزوّد كل ناقلة “نمر” جديدة، بمنظومة «معطف الريح”، من تصنيع شركة «رافئيل»، والتي أثبتت قدرتها على التصدّي بنجاح للصواريخ المضادة للدروع”، وهو ما لم يحدث؛ إذ «يتّضح الآن أن الجيش أهمل، في السنوات الأخيرة، عملية تحصين الآليات. ومشروع الاستثمار الذي أُقرّ لم يُنفّذ”.
وفي عام 2019، أعلنت وزارة الأمن الإسرائيلية أنها ستشتري من شركة “إلبيت” منظومة “سهم النيص” الموازية لـ”معطف الريح”، لتزوّد بها الناقلات، وكذلك الجرافات الهندسية من نوع «دي 9»، في صفقة قُدّرت قيمتها بـ100 مليون شيكل، لكن “دمج المنظومة لم يكتمل أيضاً”.
ويتابع الخبير أنه «في السنوات الأخيرة، عرضت وزارة الأمن نموذجاً أولياً لناقلة مدرّعة، وعليها مدافع 30 ملم، ما يسمح لها بتقديم المساعدة الفورية لمقاتلي المشاة في حالة عدم وجود دبابة أو مروحية قتالية في المنطقة المجاورة”، موضحاً أن ما يجري الحديث «ليس مدفعاً مساوياً في القوة لمدفع الميركافا، لكنه قادر على تدمير مواقع يطلق منها العدو النار. ولكن حتى هذه الخطّة الرامية إلى تحديث ناقلات الجند المدرّعة التابعة للجيش الإسرائيلي لم تتقدّم بعد إلى مرحلة الشراء».
واستناداً إلى ما تقدّم من وقائع، انهالت ردود الفعل الغاضبة أمس، حيث سُجّلت عشرات آلاف التعليقات التي راوحت بين القول إن «تطوير الناقلات ليس مهمّاً، فليمُت أولادنا في ميدان المعارك، المهمّ أن سيارة رئيس الوزراء مصفّحة ضدّ الهجوم النووي، والمهمّ أن تكون هناك مظلّة حماية للابن الذي يقضي عطلته في ميامي، بينما يُقتل أولادنا في الميدان»، في إشارة إلى نجل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يائير، الذي فضّل البقاء في ميامي، فيما يخوض أقرانه الإسرائيليون المعارك. وكتب آخر: «لماذا تنشرون هذه المعلومات؟ أرسلوا ملفّ باور بوينت إلى السنوار لكي يعرف (نقاط ضعفنا)، ثرثرتكم عار!»، بينما اتّهم آخرون الحكومة بأنها «تخلّت عن حماية الجنود، ومنحت الميزانيات التي من المفترض أنها كانت مُعدّة لتطوير هذه الآليات لـ»المتنحلين»»، في إشارة إلى «مستوطني الضفة الإرهابيين». ورأى بعضهم أنه «بالفعل، إعلامنا هو كارثة بحدّ ذاته»، فيما أعرب آخرون عن اعتقادهم بأن المهم أن «الميزانيات تُمنح لجنود جيش الرب الذين يصلّون ونرى أن صلواتهم يستجيب لها الرب»، في إشارة إلى تمرير الميزانيات إلى الأحزاب الحريدية (اليهودية الأرثوذكسية، التي يتفرّغ أبناؤها لدراسة التوارة بدلاً من القتال). وتساءل أحد المعلّقين: «أليس من الأجدى بهم أن يأخذوا الأموال التي صُرفت على الأذكياء الذين لدينا؟ أولئك الذين تنبّؤوا بأن حماس مرتدعة؟»، في إشارة إلى الفشل الذريع لشعبة الاستخبارات العسكرية، بقيادة أهرون حاليفا، الذي اعترف بفشل وحدته في التحذير من هجوم «حماس» في «السبت الأسود».
أمّا التعليق اللافت فكان من أحد القرّاء في موقع «واللا»، الذي قال إن «الجدار مع السور، والكاميرات، وبحراً من التكنولوجيا الفائقة كان طبعاً يستحيل اختراقه… ولكن في نهاية الأمر جرافة، ومُسيّرات، وحتى دراجات نارية، وصولاً إلى عربة حمار… جميعها دخلت السور الذي «لا يمكن اختراقه»… هذا ما سيحصل عندما نعتمد على التكنولوجيا بصورة عمياء… حتى وحدة 8200 الخارقة أَثبتت أنها صفر».