| مرسال الترس |
استناداً الى العملية النوعية وغير المسبوقة التي حملت إسم “طوفان الأقصى”، كَثُرت التحليلات والاستنتاجات التي تقول بأن هذه العملية ستغير وجه الشرق الأوسط، الذي خطّطت الامبراطورية البريطانية قبل أكثر من قرن ونصف أن لا يخرج عن سياق توجهاتها، وعملت الحركة الصهيونية العالمية منذ قرن لأن يكون رهن حركة بنانها، ونشطت الإدارة الأميركية قبل عقدين من الزمن لأن يكون جديداً وذات نسق مختلف عمّا عرفته شعوب المنطقة، فجاءت المقاومة في لبنان عام 2000 لترسم خطوطاً جديدة لا يمكن تخطيها، ولتأتي العملية التي انطلقت من قطاع غزة في السابع من شهر تشرين الأول عام 2023 لتضع الجميع أمام مرحلة جديدة من الحسابات التي لم يألفها أهل القرار الإقليمي والدولي من قبل، ولتُكمل حركة المقاومات في العالم، التي بدّلت في وجه الامبراطوريات وقوى الاستعمار التي تحكمت بالكرة الأرضية لعقود وقرون.
وإذا نظرنا في بعض الوقائع الملموسة من القرن العشرين، نرى التالي:
* دفعت المقاومة في ليبيا ضد المستعمر الإيطالي إلى التفكير جيداً في ما يمكن أن يخطط له في أوقات لاحقة.
* غيّرت المقاومة الجزائرية مفهوم الاستعمار الفرنسي بعد دفعها مليون شهيد.
* قهرت المقاومة في فييتنام الشمالية كل الخطط الفرنسية والأميركية، ووحّدت جناحي البلاد برغم ملايين الأطنان من القنابل.
وعلى ما تقدم، يمكن توقع اللامعقول في ما يمكن أن يحصل على الأرض الفلسطينية المحتلة، في حين أن اللبنانيين ينقسمون في ما بينهم عامودياً على ما يمكن أن يكون عليه وجه لبنان الجديد، نظراً لتنوع الأفرقاء الذين يعيشون على هذه الأرض من حيث العقائد الدينية والاجتماعية. ولكن ما يجمعهم وطنياً يمكن أن يكون موحداً لهم إذا ما أحسنوا فهم العلاقة مع الخارج على أنها لم تكن يوماً لصالح الشعوب التي تتوق لبناء نفسها انطلاقاً من مفهوم وطني صرف.
وعليه، إن لبنان الذي رسمه الفرنسي، وتحكّم به البريطاني، والأميركي، وأنظمة أخرى شقيقة وصديقة، يمكن أن يكون مختلفاً في مستقبله إذا ما أحسن توظيف ما اعتمدته المقاومة، من أجل تكوين “طوفان” جامع لأبنائه الذين يحبون الحياة ويستحقونها رغم كل الظروف الصعبة التي مرّت عليهم، أو أنهم سيستمرون في مشاحناتهم التي ستكون مادة خصبة لبقائهم مشرذمين وربما مفتّتين، إلى حين يأتي خارج ما يفرض مشيئته على نمط حياتهم، من منطلق أن التجربة التي خاضوها منذ ثمانية عقود في حكم أنفسهم قد أثبتت فشلها الذريع!