| زينب سلهب |
يصعب تعداد المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عبر التاريخ، منذ أن جاءت إلى فلسطين بغطاء دولي، لاحتلالها وإقامة كيان صهيوني، وإن تغيّرت أسماء هذه العصابات، أو أنشأت ما يسمّى “دولة إسرائيل”.
منذ العام 1948، ومسلسل المجازر الصهيونية لا يتوقّف ضد الفلسطينيين أولاً، وكذلك ضد كل من يناصر الفلسطينييين، من لبنانيين وسوريين ومصريين وعرباً.
لكن هذا العدو الصهيوني لم يَرْتَوِ من دماء المجازر، وقرّر ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة، اليوم، وغداً سيكرّر حملة الإبادة الجماعية في الضفة الغربية، وينتقل بعدها إلى إبادات جماعية كي يطمئن إلى أنه يستطيع العيش في هذا العالم العربي، لأنه لا يستطيع الحياة من دون أنهار الدم التي يسفكها، بينما العالم العربي مستسلم، ومتآمر، وشيطان أخرس.. أما “العالم الحر” فهو متواطئ وشريك في الجريمة، باستثناء قلّة من الدول التي لم تعد تستطيع الصمت على جريمة العصر.
قبل الإبادة الجماعية في غزّة، ارتكب هذا العدو الصهيوني إبادة جماعية في مخيمي صبرا وشاتيلا سنة 1892.
أربعة آلاف شهيد وشهيدة حصيلة مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبتها المليشيات الموالية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في الفترة ما بين 16-18 أيلول/سبتمبر 1982، وسط صمت عربي ودولي مخزٍ.
في 16 أيلول/سبتمبر 1982.. تعرّض لاجئو مخيم صبرا وشاتيلا على واحدة من أكثر جرائم الإبادة دمويةً، بعد ارتكاب جيش الاحتلال لمجزرة كبيرة داخل المخيم، بقيادة وزير جيش الاحتلال آنذاك آرييل شارون، ورئيس أركانه رافايل إيتان في حكومة مناحيم بيغن.
بدأت مقدمات المجزرة عندما دخلت ميليشيا “القوات اللبنانية” بمساعدة جيش الاحتلال إلى مخيم صبرا وشاتيلا، وارتكبت ما تشاء من مجازر، ولم تفرّق بين عمر أو نوع، فكبار السن والنساء والأطفال وحتى الرضع، كانوا فريسة سهلة.
وحاصرت ثلاث فرق من جيش الاحتلال وميليشيا “جيش لبنان الجنوبي” المخيم، بمئات المسلحين، بحجة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني داخله، علمًا أنه لم يكن فيه سوى الأطفال والشيوخ والنساء، وأطبقت ميليشيا “القوات اللبنانية” على السكان، وأخذوا يقتلون المدنيين بلا هوادة.
يقول عز الدين مناصرة في كتابه “الثورة الفلسطينية في لبنان 1972-1982″، كل واحد من الشهداء يمتلك سرديته الخاصة، ولأنهم يمتلكون هذه السرديات، تم اغتيال الشهود على مأساة أكبر، حدثت عام 1948.
صنف الباحثون والرواة الشفويون جنسيات ضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا: 75% فلسطينيون، 20% لبنانيون، 5% سوريون، وايرانيون، وبنغال، وأتراك، وأكراد، ومصريون، وجزائريون، وباكستانيون وآخرون لم تحدد جنسياتهم.
بدأت المؤامرة بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية أواخر آب/أغسطس 1982 إلى الأردن والعراق وتونس واليمن وسوريا والجزائر وقبرص واليونان، بانسحاب القوات متعددة الجنسيات قبل عدة أيام: الأميركية في 10 أيلول/سبتمبر 1982، والإيطالية في 11 أيلول/سبتمبر، والفرنسية في 13 أيلول/سبتمبر، انسحبوا قبل موعدهم الرسمي بعشرة أيام.
الأربعاء 15 أيلول/سبتمبر حاصرت قوات الاحتلال الاسرائيلي مخيمي صبرا وشاتيلا، وراحت تراقب كل حركة في المنطقة من فوق عمارة احتلتها، وفجر الخميس 16 أيلول/سبتمبر، أخذت القوات التي تمركزت في بناية على مدخل شاتيلا تراقب كل لحظة ومتحرك في المخيم وتعطي الأوامر للقتلة، بينما راحت طائراتها وجيشها يلقون القنابل الضوئية، لينيروا عتمة المكان الآمن أمام أعين قتلة الأطفال والنساء والشيوخ.
صباح الجمعة 17 أيلول/سبتمبر، بدأت معالم المجزرة تتضح لمعظم سكان المنطقة، بعد أن شاهدوا الجثث والجرافات وهي تهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها، وتدفنهم أمواتا وأحياء، فبدأت حالات فرار فردية وجماعية توجه معظمها الى مستشفيات عكا و غزة ومأوى العجزة، واستطاع عدد منهم الخروج إلى خارج المنطقة، فيما بقيت عائلات وبيوت لا تعرف ما الذي يجري، وكان مصير بعضها القتل وهي مجتمعة حول مائدة الطعام، ذلك أن القتل كان يتم بصمت وسرعة.
في يوم الجمعة 17 أيلول/سبتمبر، بدأت حكايات حُفَر الموت، وازداد عدد المهاجمين، رغم أن الشهادات والوقائع تؤكد أن العدد الأكبر من الشهداء ارتقوا في الليلة الأولى للمجزرة، ليلة الخميس 16 أيلول/سبتمبر، لكن أساليب القتل تطورت وأضيف اليها القنابل الفوسفورية التي ألقيت في الملاجئ.
كما اقتحم المجرمون مستشفى عكا وقتلوا ممرضين وأطباء فلسطينيين، واختطفوا مرضى ومصابين وهاربين من المجزرة من داخل المستشفى.
وتميز اليوم الثاني بالقتل داخل البيوت بشكل أكبر، وفي بعض الأزقة وعلى مقربة من السفارة الكويتية والمدينة الرياضية، حيث كانت هناك حُفر جاهزة بفعل الصواريخ الإسرائيلية التي سقطت على المدينة الرياضية أثناء اجتياح بيروت في حزيران/يونيو 1982، وبفعل وجود بعض الألغام وانفجارها تمكن بعض المخطوفين والمنساقين للموت من الهروب في ظل فوضى الأعداد الهائلة من المحتشدين وينتظرون دورهم في الإصابة بالرصاص أو حتى الدفن أحياء، من تمكن منهم من الهرب روى تفاصيل قاهرة لطريقة التعامل مع الأهالي وطرق قتلهم التي تفنن فيها القاتل وهو يضحك ويشتم ويرتوي من المشروبات الكحولية.
وفي اليوم الثالث، السبت 18 أيلول/سبتمبر، استمرت عمليات القتل والذبح والخطف حتى الساعة الواحد بعد الظهر، وتميزت بعمليات الموت الجماعية العلنية، وبدأ التحقيق مع أهالي المنطقة في المدينة الرياضية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والميليشيات الموالية لها، وجرى اعتقال واختطاف العشرات، معظمهم لم يعد ولم يُعرف مصيره.



















