| خلود شحادة |
نجح ديوان المحاسبة في وضع حدّ لصفقة تلزيم قطاع البريد في لبنان، الذي سارت فيه وزارة الاتصالات، وبدعم مباشر ورسمي من الحكومة التي وافقت على صفقة التلزيم المشوّهة والتي تحمل في طياتها علامات استفهام كثير وشبهات عديدة، خصوصاً لجهة إصرار الوزير، ومن خلفه الحكومة، على وضع دفتر شروط وفرض ظروف خاصة من أجل أن تحصل شركة محددة على التزام أعمال البريد في لبنان، على الرغم من كل التحذيرات التي كانت صدرت بشأن حصر المزايدة بالعارض الوحيد، شركة ” Merit invest – Colis Privé”، وهي تحالف شركتين، الأولى لبنانية يملكها رودولوف سعادة، أحد مؤسسي شركة “CMA-CGM” للنقل البحري التي التزمت محطة الحاويات في مرفأ بيروت ثم “تسلّلت” إلى مرفأ طرابلس، والثانية فرنسية، تملكها الشركة الأولى، لديها رخصة توزيع بريد، وليس لديها مكاتب بريدية. وكان التحالف نفسه فاز في جولة مزايدة سابقة ألغيت بناء لتوصية هيئة الشراء العام، نظراً إلى عدم مطابقة العرض لدفتر الشروط، أي أنّ الشركة لم تكن مؤهّلة لاستلام القطاع تبعاً للمعايير الواردة في دفتر الشروط. وفي الجولة الثانية عدل دفتر الشروط لناحية يتناسب ومعايير الشركة، التي عادت وفازت بالمزايدة، كما يُفهم من تقرير اعدته هيئة الشراء العام.
وعلى غرار جرأة ديوان المحاسبة في كشف فضائح التزام شركة “ليبان بوست” التي كانت تتولّى أعمال البريد، فإن ديوان المحاسبة تعامل مع المزايدة الجديدة بشفافية تعيد الاعتبار إلى منطق الرقابة والمحاسبة، وبجرأة تعيد الاعتبار إلى هيبة المؤسسات، وبموضوعية تعيد الاعتبار إلى منطق الدولة.
ولأن موافقة ديوان المحاسبة المسبقة على المزايدة، وفق القانون، هي إلزامية، فإن قرار عدم موافقته اليوم يسقط صفقة التلزيم، ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح بإعادة المزايدة وفق معايير جديدة موضوعية ومفتوحة، بحيث لا تكون الغاية مسبقاً أن يؤول التلزيم بطريقة غير قانونية إلى الشركة التي يرغب الوزير، ومن خلفه الحكومة، بأن تحصل على الالتزام.
وقد قرر ديوان المحاسبة، برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر والمستشاران: محمد الحاج وجوزف الكسرواني، ووقعه رئيس الديوان القاضي محمد بدران، عدم الموافقة على المزايدة العائدة لأعمال تشغيل القطاع البريدي في لبنان، والعمل ودون إبطاء على إطلاق مزايدة جديدة تراعى فيها جميع الملاحظات والتوصيات التي فنّدها القرار، والتي من بينها أنه أوصى وزارة الاتصالات وجوب الأخذ بالملاحظات، وصياغة دفاتر الشروط بطريقة واضحة موضوعية علمية خالية من الغموض والأخطاء على انواعها. كما أوصى باعتماد استراتيجية ثابتة عند اختيار المؤهلات المطلوبة بما يتناسب مع حجم ونوع المهام والأعمال المطلوبة، ما يكفل تنفيذ الصفقات العمومية والمشاريع بالكفاءة والجودة المطلوبتين، واعطاء مهل كافية للعارضين لتقديم عروضهم قياسا على نوعية وأهمية وتعقيدات الصفقات والمشاريع المنوي تنفيذها.
وفي القرار الذي أصدره الديوان، سجّل الوقائع التالية:
ورد اليه كتاب وزير الاتصالات رقم 1/1990 تاريخ 23/8/2023 الذي يحيل بموجبه الملف المتعلق بالموضوع المشار إليه اعلاه وذلك لإجراء الرقابة الادارية المسبقة بشأنه عملاً بأحكام المادة /34/ من المرسوم الاشتراعي رقم 83/82 وتعديلاته ويستفاد من المستندات الموجودة في الملف ما يلي:
– ان الموضوع المعروض متعلق بتلزيم اعمال تشغيل قطاع البريد لفترة تعاقدية مدتها تسعة /9/ اعوام المزايدة الأولى جرت بتاريخ 16/2/2023، بعد أن تم الاعلان عنها بتاريخ 18/10/2023 على الموقع الالكتروني لهيئة الشراء العام وحددت مهلة تقديم العروض بثلاثة أشهر تم تمديدها لاحقاً بحيث أصبح اخر موعد لتقديم العروض عند الساعة 9:00 صباحاً من تاريخ 16/2/2023 بدلاً من الساعة العاشرة صباحاً من تاريخ 24/1/2023.
وتبين من كتاب رئيس هيئة الشراء العام الصادر تحت رقم 791/ هـ.ش. 2023/4 تاریخ 2023/7/31 انه بتاريخ 2023/2/16 تقدمت شركة غانا بوست لتسليم عرضها للمزايدة الأولى، الا ان الجهة الشارية لم تستلم العرض لوروده بعد الساعة التاسعة وهي اخر مهلة لتقديم العروض، ولم تستلم الجهة الشارية عروضاً اخرى.
وبعد أن بينت الدراسة الحاضرة الضرر المتوقع على الخزينة العامة والبالغ نحو 5 ملايين دولار تقريباً نتيجة تغيير مخطط تقاسم الأرباح وطريقة احتساب حصة الإدارة، يُطرح التساؤل: ماذا كان الدافع وراء تغيير مخطط تقاسم الأرباح؟ ووفق أي دراسة؟ وهل قامت الإدارة بإعداد دراسة تقارن فيها النتائج المالية لكل من هذين المخططين للاختيار؟
كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة من الإدارة كي يبنى على الشيء مقتضاه.
للاطلاع على الوثيقة، إضغط على الرابط: