| مرسال الترس |
تعتاش الأزمات على أنواعها في لبنان، على قاعدتين ثابتتين هما الخلافات والتجاذبات في الداخل حتى على أبسط الأمور، والانعكاسات الخارجية للصراعات بين الدول على النفوذ وتوسيع دوائر السيطرة.
ولأن الانقسامات بين اللبنانيين تدفعهم لأن يتعلقوا بحبال هواء خارجية، فإنهم غالباً ما يلبون طلبات ذلك الخارج بما يزيد من فرقتهم وتشرذمهم.
إزاء فراغ في موقع رئاسة الجمهورية، مستوطن منذ عشرة أشهر، تزامن مع أزمات مالية وحياتية ومعيشية، يتطلعون إلى إنقاذٍ من خارج تنخره حروب وصراعات قد توصله إلى حرب عالمية ثالثة، وبالتأكيد لن يأبه إلى مشاكل في منطقة صغيرة جداً على الخريطة العالمية، إلاّ بما يتلاءم مع تطلعات واستراتيجيات كيان العدو الاسرائيلي الذي له تأثيرات واسعة في المال والإعلام نتيجة وجود “لوبياته” المتوغلة بالنفوذ في أكثر من محور عالمي.
الصراع على أشدّه في البحار المؤثرة على الصين، والتي خرجت منذ بضعة عقود من قوقعتها وتسعى أميركا لإعادتها إلى شرنقتها، أو على الأقل تقزيم حركتها.
والصراع على فوهة بركان بين واشنطن ودول “البريكس”، والتي تسعى لسحب البساط من تحت أرجل “الدولار الأميركي” الذي يسيطر على التجارة العالمية منذ قررت أميركا الدخول في الحرب العالمية الثانية، ولذلك فهي ستبذل الغالي والنفيس من أجل بقائها في طليعة القوى العالمية العظمى، مهما كلفها ذلك.
ولتعطيل “البريكس”، قد نجد، غداً أو بعده، الجيوش الباكستانية تفتح جبهات على حدود الهند لتُدخِل شبه القارة الهندية بصراعات لا تنتهي، كما نجحت في إلهاء “الدب الروسي” بحلقة من “الضباع الأوكرانية” التي ستبقى تنهشه حتى يخسر أهم معاركه، على قاعدة المثل العالمي القائل: “إذا أردت تطويع أسدٍ فأرسل له مجموعة من الضباع”!
وفي ظل كل هذه المعمعة، وبين شلّة واسعة من الموفدين الأجانب الذين تتناحر أهدافهم، رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يطرح مبادرة حوار داخلي تتقاطع مع حوار يسعى إليه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، لعله يصل إلى مخرج داخلي محض. ولكنه اصطدم أولاً بمواقف من يحملون لواء “المعارضة”، وبغالبيتهم من الطائفة المارونية، التي تصدرت السلطة في لبنان منذ الاستقلال من دون ان تنجح في ضبط استقراره.
صحيح أن واشنطن، وبعض القوى المؤثرة عالمياً، ترغب باستقرار منطقة الشرق الأوسط حفاظاً على أمن “إسرائيل”، ولاستخراج نفط وغاز المنطقة الواعد بظروف مؤاتية، ولكن السؤال المحوري لدى المراقبين هو: هل سينجح الرئيس بري في إخراج أرنب مسمن من أحد أكمامه يستطيع تنحية الفراغ المستحكم منذ عشرة أشهر، ويرسم خريطة طريق للاستحقاق الرئاسي؟ الجواب لدى المراقبين أن الأيام العشرة الفاصلة، بين منتصف شهر أيلول والخامس والعشرين منه على أكبر تقدير، ستكون حاسمة في تحديد معالم المرحلة، إما برئيس يجلس في قصر بعبدا ويكون نتيجة لحوارات داخلية فعلت فعلها، وإلاّ فإن البلد ذاهب إلى فراغ أكثر من المتوقع، وهذا مستبعد، وفق العديد من المعطيات المرتبطة بإنتاج النفط والغاز وجولة هوكشتاين السياحية!