| زينة أرزوني |
ماذا يجري في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت؟
حتى الأمس القريب، نجح رئيس مجلس إدارة “شركة طيران الشرق الأوسط” محمد الحوت، بفرض طوق فولاذي حول المطار وأعماله ومصالحه وتلزيماته والتزاماته وصفقاته وطائراته، فأصبح مهيمناً على المطار وأجهزته وقطاعاته وأمنه، وبنى في داخله “جمهورية” خاصة، عبر الإجراءات التالية:
ـ حصرية لشركة طيران الشرق الأوسط “ميدل إيست”، تمنع أي شركة طيران من المنافسة، بعد أن نجح بمنع دخول أي شركة أخرى منذ أن حاول محمد الصفدي، عندما كان وزيراً للأشغال في العام 2006، إدخال شركة طيران جديدة لرحلات “شارتر” وكذلك محاولة إنهاء عقد شركة خدمات المطار، وانتهاء بمحاولة وزير الأشغال الحالي علي حمية إعادة الحياة إلى قرار مجلس الوزراء، رقم 68 تاريخ 16/5/2018 بالموافقة على المخطّط التوجيهي العام لتطوير وتوسعة مطار بيروت، عبر إنشاء مبنى للمسافرين في الجهة الشرقية يستخدم للرحلات العارضة والموسمية والدينية والطائرات التي لا تجد لها مكاناً في المبنى الحالي.
ـ حصرية صيانة مطار بيروت الدولي بشركة “MEAS” التي تملكها شركة “ميدل إيست”، والتي تتولى كل أعمال الصيانة في المطار.
ـ حصرية النقل داخل المطار.
ـ حصرية نقل الركاب من وإلى الطائرات عبر صالون الشرف.
ـ حصرية تشغيل المطاعم والمقاهي في حرم المطار عبر “الشركة اللبنانية لتموين مطار بيروت” (LBACC) التي تملكها شركة “ميدل إيست”.
ـ حصرية تموين الطائرات بالطعام والمشروبات أيضاً عبر “الشركة اللبنانية لتموين مطار بيروت” (LBACC).
ـ حصرية تقديم الخدمات الأرضية عبر “شركة الشرق الأوسط للخدمات الأرضية” (MEAG) التي تملكها شركة “ميدل إيست”.
ـ صيانة الطائرات في مطار رفيق الحريري الدولي عبر “شركة صيانة وترميم الطائرات للشرق الأوسط” (MASCO) التي تملكها شركة “ميدل إيست”.
ـ تأجير طائرات خاصة لرجال الأعمال عبر شركة “سيدر إكزيكيوتف” (CEDAR EXECUTIVE).
كل هذا يجعل من شركة “ميدل إيست” في وضع مهيمن على مطار بيروت الدولي، كونها تسيطر فعلياً على كل ما في المطار، وتحتكر قطاعاته وتمنع المنافسة.
وعملياً، وبما أن مجلس إدارة شركة “ميدل إيست” يتألف من أشخاص عينهم رئيس مجلس الإدارة محمد الحوت بالتعاون وبتغطية من حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، على اعتبار أن مصرف لبنان يمتلك أسهم “ميدل إيست”، فإن ذلك منح الحوت تفويضاً كاملاً في إدارة الشركة، وبالتالي الشركات التابعة لها، وبالتالي أيضاً أصبح يهيمن على المطار بشكل شبه كامل، والذي تحوّل بفعل هذه الهيمنة إلى “دولة” داخل الدولة، وتستطيع أن تقطع أحد أهم شرايين البلد، وأن تحدّد حتى توقيته الصيفي وفقاً لإرادة “رئيس الدولة” محمد الحوت حتى لو أدى ذلك إلى انقسام حاد في البلد.
لكن، وبعد أن انهار “سقف” رياض سلامة، بدا أن الحوت يحاول فك ارتباطه بالحاكم السابق، وعزل نفسه عن سلامة وما يغرق به من قضايا.
ومع أن الحوت نجح بإسقاط مشروع توسعة مطار بيروت ببناء مبنى ركاب جديد للرحلات العارضة والموسمية والدينية، إلا أنه لم يستطع التمديد التلقائي هذه المرة لشركة إدارة المطاعم والمقاهي في المطار، والتي كانت بمثابة “دجاجة تبيض ذهباً”، لأنها كانت تدفع للدولة نحو 40 ألف دولار سنوياً فقط بدل إشغال هذه المطاعم والمقاهي، على مدى سنوات. وعندما جرت المزايدة مجدداً، عرضت الشركة أقل من مليون دولار لاستثمار هذه المطاعم والمقاهي، ظناً منها أنه لن يتقدم أحد لمنافستها، على غرار السنوات الماضية، إلا أنها فوجئت بدخول شركة “نيفادا” على خط المنافسة، بعرض يتجاوز 4,5 مليون دولار في السنة، من ضمنها بدل مقطوع عن كل راكب يعبر مطار بيروت.
وبعد أن فازت “نيفادا” بالمزايدة، شعر الحوت بأن “دولته” تعرّضت خطوطها للخرق، فبدأ معركة شرسة لـ”طرد” الشركة الفائزة، مرّة عبر رفض تسليم تجهيزات المطاعم والكافتيريات إلى الشركة الجديدة. ثم سلّم جميع المواقع في آخر يوم من المهلة، ما خلق بلبلة في تشغيل المطاعم من المستثمر الجديد. وبعد ذلك مارس ضغوطاً على الموظفين الذين ينص العقد على انتقالهم إلى الشركة المشغلة الجديدة تلقائياً، لكي يقدموا استقالاتهم، كما أوحى لهم بتأمين فرص عمل لهم برواتب أعلى، فتخلّف عدد كبير منهم عن الالتحاق بالعمل مع المستثمر الجديد، ولجأ بعضهم إلى إقفال أحد المطاعم فجأة ومغادرة عملهم. بينما لم تسلّم شركة الحوت الشركة الجديدة لائحة بكامل أسماء العاملين، وإنما أعطتها الأسماء على دفعات، ولجأ إلى إثارة قضية عدم التزام المستثمر الجديد بموجبات دفتر الشروط التي تفرض عليه استيعاب العاملين في المطاعم مع الشركة السابقة. ثم حرّض نقابة عمال “ميدل إيست” لإصدار بيان “دفاعاً” عن موظفي المطاعم، وتبعه بيان لرئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر بدا وكأنه يتحدث عن قضية “سمع عنها” ولم يعرف حيثياتها.
وأخيراً، بادر الحوت إلى ما يعتبرها “الضربة القاضية” بدفع رئيس الحكومة إلى إحالة الملف على “هيئة الشراء العام” للنظر في “مدى التزام المستثمر الجديد بدفتر الشروط”
وهنا يكمن جوهر القضية الهدف الذي أراده الحوت: دفع “هيئة الشراء العام” إلى إلغاء المزايدة، من دون أن ينتبه إلى أن هذا الأمر لن يكون يسيراً لاعتبارات قانونية، لأن دور “هيئة الشراء” انتهى وأصبحت الإدارة المعنية هي التي تلاحق المستثمر لتطبيق شروط الالتزام وتنفيذ بنوده، فضلاً عن الاعتبارات التي تتعلّق بعدم وجود مخالفات يبنى عليها.
عملياً أيضاً، يشعر الحوت أن أحد أسوار الحماية حول “دويلته” قد انهار، لكنه لم ينتبه إلى أن السور الرئيس الذي كان يتحصّن خلفه وتحت مظلّته، أي رياض سلامة، قد انهار بالكامل، وبالتالي فإن كل “الدويلات” التي كان يحميها أصبحت بلا حماية، وأن صورة “رئيس دولة المطار” رياض سلامة قد أزيلت من مكانها، ولا يمكن استبدالها بصورة الحوت!
وقد كان لافتاً بيان النائب اللواء جميل السيّد الذي لفت إلى هذه النقطة تحديداً، عندما اعتبر أن الحوت هو “نسخة مصغّرة” عن رياض سلامة، محذّراً أنه “ستنكشف قريباً حساباته وحسابات شركة الميدل ايست مع مصرف لبنان وغيره بما فيها تهريب الأموال والتنفيعات والسمسرات في أوروبا ولبنان”.