/ فؤاد بزي /
نهاية نيسان الماضي، فازت شركة “نيفادا” المملوكة من وسام عاشور بمزايدة إشغال وإدارة واستثمار مطاعم وكافيتريات مبنى الركاب في مطار بيروت. أتى الفوز بعد منافسة مع شركتين، استُبعدت إحداهما بسبب النقص في شهادات الخبرة والتأمين والجودة، فيما قدّمت الثانية سعراً أدنى بنحو 2.47 مليون دولار. هذه الأخيرة، هي الشركة “اللبنانية لتموين مطار بيروت – LBACC” المملوكة من “ميدل إيست” التي يرأسها محمد الحوت، والتي التزمت تشغيل المطاعم والكافيتريات في المطار لأكثر من 15 سنة، ولم تدفع سوى مبالغ زهيدة مقارنة مع عرض “نيفادا” البالغ 3.4 ملايين دولار.
فوز “نيفادا” كان مفاجئاً لـ”LBACC” التي تحتكر 1800 متر مربع من المساحات التجارية في المطار، والتي كانت على مدى 15 عاماً، تحت إدارة الحوت المباشرة بموجب عقود، تضاف إليها 4 سنوات من التجديد التلقائي. وبحسب مصادر “الأخبار”، فإن شركة “الميدل إيست” لم تتوقّع وجود منافسة جديّة، ما دفعها إلى تقديم عرض بقيمة مالية تقلّ عن مليون دولار، أي إنها كانت مطمئنة جداً لخلو الساحة من المنافسين. إلا أن الأرقام التي جاءت بنتيجة المزايدة الأخيرة، تثير أسئلة عن حجم الأرباح المتورّم الذي حصلت عليه الشركة نتيجة إشغال هذه المساحات. واللافت أن هذه الأرباح لم تظهر في ميزانية “LBACC”، إذ يؤكد مساهموها أن الشركة لم تصرّح عن أي أرباح في السنوات الثلاث الأخيرة.
بمجرّد إعلان فوز “نيفادا” وانطلاق إجراءات التلزيم النهائي، كشفت “LBACC” عن سلوك غير احترافي وغير مهني رافضة الإقرار بنتائج المزايدة، إذ امتنعت عن تسليم كامل الموجودات التي ستنتقل بموجب دفتر الشروط إلى الملتزم الجديد. ولم تتقبّل “LBACC” المنافسين بروح رياضية. ورغم أن الشركة الأم، “الميدل إيست”، تسيطر على المطار بكلّ تفاصيله لجهة تحديد الرحلات ومواعيدها وعمليات الصيانة وتزويد الطائرات بالطعام والشراب… إلا أن “ضياع” 1800 متر مربع من المساحات الاستثمارية في المطار منها، أثار موجة من الانتقام عبر عملية تخريب للبنى التحتية للمساحات الملزّمة والمطابخ، إذ إن الكشف الأولي أظهر سلامة المعدّات، لكن عند التسلّم تبيّن أن التجهيزات سُرقت أو جرى تخريبها. وبحسب دفتر الشروط، تتسلّم الشركة الفائزة بالمزايدة المساحات بما تحتويه من تجهيزات كالبرادات والسخّانات ومحتويات المطابخ. كما يلزم الدفتر الشركة الفائزة بترك كلّ معداتها بعد أربع سنوات في حال عدم فوزها بالمزايدة اللاحقة، وهو ما قبلت به إدارات المطاعم، إذ ركّبت تجهيزات جديدة وصلت كلفتها إلى نصف مليون دولار. ولم تنجُ من عمليات التخريب، بحسب مصادر “الأخبار”، التوصيلات الكهربائية، وتلك الخاصة بالإنترنت والهواتف، حتى إنّ حسّاسات مراقبة الحرائق فُكِّكت عن خطوط وعبوات الغاز، واكتُشف الأمر صدفةً خلال إعادة التعبئة، ما كان يمكن أن يؤدّي إلى حادث انفجار غاز خطير في المطار.
لاحقاً، قدّمت شركة LBACC دعوى أمام قضاء العجلة تطلب فيها وقف تنفيذ نتيجة المزايدة بحجّة أن الشركة الفائزة خالفت الشروط. لكنّ القضاء ردّ الدعوى. علماً أن بعض هذه الضغوط على الملتزم الجديد، سبق أن مورس عندما فازت شركة أخرى في المزايدة ومُنعت من تسلم الإِشغال.
بعدها، انتقلت الحملة إلى مستوى مختلف، إذ بدأ فريق الحوت يروّج بأنّ الشركة الجديدة على شفير الإفلاس. وتبيّن أن تواصلاً جرى مع التجّار وأصحاب المصالح لحثّهم على مقاطعة “نيفادا”، وترافق ذلك مع تخريب للأمكنة المخصّصة للعمل، وممارسة ضغوط على العاملين في الشركة الجديدة لترك أعمالهم. كما مورست ضغوط على القوى الأمنية العاملة في المطار، إذ قرّرت شركة LBACC وقف توزيع الوجبات الغذائية المجانية على أفراد الجيش والأجهزة الأمنيّة، ما دفع الشركة الجديدة إلى المبادرة لتقديم وجبة غذائية مدعومة بقيمة 100 ألف ليرة.
عمليات العرقلة أخذت أشكالاً مافيَوية في ما بعد. بحسب دفتر الشروط دائماً، على الشركة الفائزة تشغيل كلّ الموظفين العاملين في الشركة السابقة، وعددهم 186. ولكن، عند التسلّم، قامت “LBACC” بتسليم “نيفادا” لائحة من 55 موظفاً فقط، ونقلت الموظفين ذوي الكفاءة القادرين على إدارة المطابخ، للعمل في خدمة طائرات “الميدل إيست”. كما طلبت “LBACC” من الشركة الفائزة تسديد اشتراكات الضمان المكسورة عليها خلال فترة عمل الموظفين عندها. وهي تعمل اليوم على عرقلة عمل المطاعم التي باشرت العمل عبر إرسال عدد من الموظفين لإعادة تشغيلهم لدى الشركة الفائزة، أو الطلب من بعض الموظفين ترك نقاط البيع الجديدة، وهو ما حصل أخيراً عندما أقفل عشرة موظفين في “نيفادا” أحد المطاعم، ورفضوا العمل مطالبين بعودة الشركة القديمة!
بموجب فوز “نيفادا” بالمزايدة سترفد الخزينة بمبالغ تصل إلى حدود خمسة ملايين دولار سنوياً، إذ سيضاف إلى العرض المقدّر بثلاثة ملايين ونصف مليون دولار حوالي مليون ونصف مليون دولار بدل مرور الركاب في المطار، إذ ستدفع الشركة عشرين سنتاً إضافية عن كلّ راكب يستخدم مطار بيروت، حتى لو لم يستخدم المطاعم أو نقاط البيع الخاصة فيها. كما تشير مصادر “نيفادا” إلى أنّ الأرباح جيّدة من المساحات التجارية في المطار، بعكس ما تروّج له “LBACC”، فنقاط البيع تعمل بشكل جيّد، وبعض فروع المقاهي تفيد بأنّ فرع المطار هو الأكثر حيويّة بين فروعها على الأراضي اللبنانية، إضافة إلى إدخال الشركة الجديدة أكثر من ثمانية فروع لمطاعم لبنانيّة وعالميّة إلى المطار، بعدما كانت تقتصر على فرعين فقط عندما كانت المساحات تحت إدارة “LBACC”.
السؤال ممنوع
نفت مصادر وزارة الأشغال، علمها بمشاكل تسلم الإِشغال من قبل “نيفادا” في المطار، ورغم أن “الأخبار” حاولت أكثر من مرّة التواصل مع رئيس مجلس إدارة “الميدل إيست” محمد الحوت لاستيضاح موقفه من الشبهات التي تدور حول عمليات التخريب، إلا أنه اكتفى بالردّ عبر مكتبه:
“المدير العام (محمد الحوت) في اجتماع”. كذلك غاب عن السمع تماماً المدير العام للطيران المدني فادي الحسن، رغم توجيه أسئلة واضحة إليه عن هذه الشبهات وعمّا يحصل في المطار، علماً أنه المعنيّ الأول بهذه المسؤولية.
تحرّك المتضرّرين
لم ينتظر المتضرّرون من خسارة المساحات التجارية كثيراً قبل اللجوء إلى أي طريقة لاستعادة ما يرونه ملكاً لهم. وقرّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مناصرتهم وإحالة الملف إلى هيئة الشراء العام بذريعة “عدم التزام المتعهّد الجديد بدفتر الشروط”. ورحّب رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر بالخطوة معتبراً أنها تعطي “200 عاملاً حقوقهم” وتحفظ “حقوق المطار من الهدر والاستنسابية والزبائنية”. اللافت أن الأسمر كان مرتاحاً عندما أغفلت الشركة السابقة تقديم لوائح تشمل كل الموظفين لتأمين انتقالهم إلى الشركة الجديدة، إنما تحرّك كالعادة وفق تعليمات أحد المكاتب العمالية للأحزاب.