تصوير: عباس سلمان

السعوديّة تُمدّد لدريان: الأمرُ لي في دار الفتوى

/ لينا فخر الدين /

قُضيَ الأمر، وقرّرت السعوديّة وحدها التمديد لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان حتّى عام 2028، وفرضته على الجميع. «تيّار المستقبل»، الذي كان منشغلاً في التحضير لانتخابات «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى»، بدا كأنه غافل عن كلّ ما يجري، بعدما مرّر السنيورة قرار التمديد من دون مراجعة أيّ رئيس حكومة!

لم تُقرّر السعوديّة العودة إلى الملعب اللبناني، لكنّها أيضاً لن تتركه لـ«تيّار المستقبل». من بعيد، تُراقب عن كثب وفي اللحظة الأخيرة تعرف كيف توجّه ضربتها القاضية، تماماً كما تعرف «مشغّليها المخلصين» الذين يُنفّذون رغباتها «من تم ساكت».

هذا تحديداً ما فعله الرئيس فؤاد السنيورة خلال اليومين الماضيين حينما كان «الحريريون» منشغلين في تشكيل اللائحة التوافقيّة في بيروت لخوْض انتخابات «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» في الأوّل من تشرين الأوّل المقبل. في الأروقة لا حديث إلا عن انتخابات يُريد منها «المستقبل» الثأر من السنيورة و«قطع رجله» عن دار الفتوى. ظنّ «التيّار الأزرق» أنّه فعلها بعدما نجح في «قطف» تحالفٍ متين مع مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف الذي وقف معهم في وجه «السّادات تاور».

السعوديّة على الجانب الآخر كانت تُراقب من دون أن تتدخّل، ومثلها فعل الرئيس فؤاد السنيورة الذي كاد أن يرفع «الراية البيضاء» وأصدر بياناً أكّد فيه عدم تدخّله في الانتخابات.

هو إذاً النصر الخالص لـ«الزرق» بعدما كادوا يُفلحون في انتخاب مجلسٍ محسوبٍ عليهم لاستعادة موقعهم في دار الفتوى ومنها في السّاحة السنيّة، قبل أن تأتيهم الضربة من الخلف: التمديد لدريان من دون التنسيق معهم. لا مشكلة مع المفتي الذي يعتبرونه بأنّه غير بعيد عنهم، وهم غير قادرين أصلاً على منع هذا التمديد، وخصوصاً أنّ أكثريّة «المجلس الشرعي» الحالي بيَد السنيورة، ومُحرجون أكثر في حال جاهروا في رفضهم بعدما تأكّدوا أن التمديد خيارٌ سعودي لا لبس فيه، ولو أنّ عاملين في السفارة السعودية أكدوا لبعض «المستقبليين» أن لا علم لهم بهذا القرار.

الرئيس سعد الحريري الذي استقبل موفداً سعودياً في مقر إقامته في أبو ظبي خلال الأسبوع الماضي، يُدرك تماماً أنّه ما زال على «لائحة المغضوب عليهم» في السعوديّة، فيما تيّاره في لبنان غير قادر على المواجهة، وخصوصاً إذا ما كان دريان هو المطلوب. أُحرجَ في الاسم والتوقيت والمضمون. ولذلك، عاجل الحريري سائليه بأنه أعطى غطاءه السياسي للتمديد لدريان، مثلما فعل كلّ رؤساء الحكومات، الحالي نجيب ميقاتي، والسابقون: حسّان دياب وتمّام سلام والسنيورة.

لا مخرج للحريري أصلاً إلا بالقبول، إذ إنّ «المستقبليين» لم يُدرجوا على جدول أعمالهم أمر التمديد ولم يتباحثوا به بعدما سمعوا من دريان تطمينات توحي بأنه لا يقبل بالتمديد يوماً واحداً؛ هم الذين رسموا «حفلة» تنصيب المفتي المقبل ووزّعوا الوعود وأقصوا المتمردين عن لائحة المرشّحين إلى منصب المفتي. كلّ ذلك، ليخرجوا «من المولد بلا حمّص». السعودية التي تركت «المستقبل» يلعب في باحة «عائشة بكّار» بتشكيل اللوائح، كانت في المقابل «تحمي سكينها» وتُمرّر قرارها بـ«العتمة»: بعض الشخصيّات المحسوبة على السنيورة يجتمعون ويقترحون التمديد لدريان من دون علم الحريري ليُصبح الأمر محسوماً في جلسة السبت المقبل والأخيرة للمجلس الذي تُشارف ولايته على الانتهاء، من دون الأخذ بعين الاعتبار ما إذا كان تشريع التمديد في المجلس قانونياً أو غير قانوني.

من يأبه لقانونيّة التمديد طالما أنّ «طويل العمر» فرضه؟ ومن يأبه لمجلس شرعي ينجح «المستقبل» في اختياره طالما أن لا دور له. السعوديّة جرّدته قبل موعد انتخابه من أهم أدواره التي كان يوليها «الزرق» كل اهتمامهم: انتخاب المفتي المقبل. وحتّى مدّة التمديد لدريان كانت محسوبة بدهاء، لسحب أمر انتخاب المفتي من يد المجلس الذي سيُنتخب وتنتهي ولايته قبل أشهرٍ من بلوغ دريان السن القانونية في عام 2028.

كلّ ذلك، حتّى تُمرّر السعوديّة كلمتها السريّة لـ«الحريريين» بأنّ «الأمر لي» في دار الفتوى، بعدما أكّدت أنّها لن تتركهم «يسرحون ويمرحون» داخل السّاحة السنيّة، وخصوصاً أنّها تعتبر أنّ «المستقبليين» لو نجحوا في الإتيان بمقربين منهم إلى المجلس الشرعي، سيكون لها حصةٍ فيهم. ومع ذلك، «لم تنم بين القبور» وحسمت الأمر باكراً في مجلسٍ يُمكن للسنيورة أن يفعل لها ما ترغب ومن دون أن تطلب.

هكذا، لُقّن «التيّار الأزرق» درساً بعدما خسر ما كان يصبو إليه من دون «شوشرة» سعوديّة. وحتّى دريان الذي «جرّ رجله» إلى تحالفٍ معه في انتخابات «الشرعي» لن يتصرّف معه كما في السابق، بعدما تيقّن الأخير من أنّ قرار التمديد لم يخرج من «بيت الوسط» بل من المملكة عبر «السادات تاور». سلّفه السنيورة «الجائزة الكبرى»، وبالتالي، لن يعود بمقدوره المجاهرة بالعداء له كما كان يفعل، باعتباره «الرجل الأمين» للسفارة، وأقوى من الحريري نفسه، ولو لعب دور الضحيّة في بيانه الأخير.

كما أضعف السعوديون موقع «تيّار المستقبل» الذي لن يلتفّ حوله المرشحون إلى «المجلس الشرعي» كما كانوا يفعلون منذ أيّام. فيما تبيّن أن مرشحاً (محمد دندن)، من أصل 5 مرشحين محسومين على لائحة «المستقبل»، بالإضافة إلى مرشّح آخر كان يتم التواصل معه، وهو مرشّح «الإرشاد والإصلاح» وسيم المغربل، شاركا في خطّة السنيورة في التمديد لدريان.

على الأرجح، فإن دندن والمغربل «طارا» من اللائحة، إلا أنّ حظوظ اللائحة باتت اليوم محط شكوك. وهو ما عرفه «الزرق» الذين قاموا بإرجاء إعلان اللائحة الذي كان مقرّراً اليوم إلى ما بعد جلسة التمديد لدريان.
القرار السني في جيب السعودية؟

وإذا كانت المملكة قد وجّهت رسالتها إلى الحريري، فإنّها أيضاً بقرار التمديد لدريان أكدت للجميع أنّ السّاحة السنيّة «في جيبها»، ولو أنّها تريد حصة صامتة في الوقت الحالي حتّى يأتي وقت الحصاد؛ وإلا ماذا يعني التمديد لمفتي الجمهورية من دون علم نادي رؤساء الحكومات باستثناء السنيورة؟

وبالتالي، قطعت المملكة الشك باليقين وتركت في بريد الداخل والخارج أنّ «الحل والربط» سنياً بيدها وحدها. فهي لم تنتظر غطاءً مصرياً كما فعلت في عام 2014 حينما أتى دريان «على حصان» المبادرة المصريّة، بل فرضته اليوم على الجميع. كلّ ذلك، من أجل استثمار «أحاديتها السنيّة» في ملف انتخاب رئيس الجمهوريّة. بالنسبة إليها، إن الحريري ولو أصرّ على سليمان فرنجيّة رئيساً، فهو في حساباتها في عداد «المفقودين سياسياً».

وكذلك، لم تأخذ السعودية برأي الجهاز الديني في دار الفتوى الذي يرفض بمعظمه التمديد لدريان. ولذا، يعتقد كثيرون أن يصل دريان إلى عهده الثاني بأصوات المدنيين في «المجلس الشرعي» وبرفضٍ من رجال الدين العاتبين لأنّ «أحداً لم يستشرنا ونحن أولياء الأمر».

فعلياً، ما يعني السعودية أن دريان هو أحد المحسوبين عليها الذين يستطيعون تنفيذ أجندتها بحرفية عالية.

وهو القادر على التفاهم معها وتدوير الزوايا محلياً: يستقبل وفد حزب الله نهاراً وينسق مع تيار المستقبل ليلاً؛ لا ضيْر من ذلك طالما أنه في نهاية الأمر ينام في حضن المملكة. وبالتالي، إنّه الشخص المناسب لـ«تقطيع الوقت» في هذه المرحلة الانتقالية. هكذا، انتهجت السعودية سياسة عدم تبديل العسكر في زمن الحرب!