دبلوماسيات مجنّدات للحوار.. ووضع الحصان أمام العربة

/ جورج  علم /

يبقى الحوار الوجبة الدسمة على مائدة الدبلوماسيين. تفعيل الحكومة ليس “بالحدث المهم، وظيفتها أن تجتمع وتعالج الشؤون الحياتية والوطنيّة.

تبقى طاولة الحوار هي الحدث عندما تضمّ الأقطاب حول ملفات كبرى على صلة بالنظام، والكيان، بهدف الوصول الى خلاصات حول لبنان المرتجى!”.

يسهر العنصر النسائي على الإعداد والتوليف. السفيرة الأميركيّة دوروثي شيا، والفرنسيّة آن غريو، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة يوانا فرونتسكا، وزميلتها نجاة رشدي، وأخريات، وآخرون… أما الهدف: وضع خريطة طريق إنطلاقا من الآتي:

أولاً: ليس هناك من تضارب في الأولويات بين الحوار والإنتخابات. كلّ يكمل الآخر. صندوقة الإقراع مرتبطة بمواعيد، ومهل دستوريّة، في حين أن الحوار ممكن في أي وقت، وبالتالي لا يحتاج الى أوراق ثبوتية للتأكيد على أهليته في بلد يعتلي منصّة الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربيّة على أنه وطن الحوار، وأرض التلاقي بين الحضارات، والثقافات، والأديان.

ثانياً: الدعوة الى الحوار كانت منفعلة، تسكنها الأحقاد الدفينة، والمشاعر المأزومة، والأفكار المتوترة. كانت مرتجلة، يحكمها التسرّع على حسن التموضع. كانت إستفزازية. ساكن السرايا لم يكن على علم، وقد فوجىء، كما فوجىء غيره، هذا على الأقل ما  أعلنه خلال مؤتمره  الصحافي في اليوم التالي.

ثالثاً: صيغ جدول الأعمال بحبر الشخصانيّة. حصره الرئيس ببنود ثلاثة تكتسب أهميّة، لكنها لا ترتقي الى مصاف الأولويّة. أولوية الحوار، منذورة لصدّ المحاولات الرامية الى تقسيم لبنان جوائز ترضية يتبادلها النافذون الضالعون في ترسيم خرائط الشرق الأوسط الجديد…  جدول أعمال الحوار يفترض ان يكون منزّهاً من الإستئثار. يوجز خلاصة التفاهمات بين المرجعيات حول الملفات المصيريّة، وعندما يتم التوافق، يصبح الطريق الى الحوار سالكاً!

رابعاً: أي حوار في لبنان يحتاج إلى تمهيد، ولقاءات ثنائيّة مع أصحاب الشأن، لتدوير الزوايا الحادة، قبل الإعلان عن مكانه وزمانه. الرئيس وضع العربة أمام الحصان، بحيث بدأ لقاءاته بعد إعلانه الدعوة، في حين أن العكس هو الصحيح.

و”مبادرة الرئيس للحوار” يريدها الغربيّون من النوع المترفّع. كان الرئيس الراحل الياس سركيس يطلّ على المتخاصمين المتحاربين، ليخاطبهم بكلمة سواء. لقد حوّل فناء القصر الى طاولة حوار. كان قادة الميليشيات يستيقظون على جبهات المحاور، يزرعون الأرض خرابا ودمار، ويلبّون عند المساء دعوة الرئيس للعشاء، والتلاقي، والتحاور حول ما يمكن ان يخفف من هول المأساة، رغم معرفته التامة بأن الغالبية في صفوفهم كانت تدير حرب الآخرين على أرض لبنان!

الدبلوماسيات المهتمات، يؤكدن أن البيان الرئاسي أبقى الباب مفتوحا على الحوار، وهذا مؤشر يمكن البناء عليه، إنطلاقا من توفير دينامية خارجية داعمة ومؤازرة للديناميّة الداخلية، وتكثيف اللقاءات الثنائية مع جميع الأطراف، بحيث لا يضطر “اللقاء الأرثوذكسي” الى إصدار بيان شديد اللهجة بحجة تغييب الطائفة عن لقاءات القصر، والغائب كان نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي. إن توفير البنى التحتية للحوار، مسؤولية الرئيس، والأقطاب، والمؤسسات، وفعاليات المجتمع المدني… عندها تتوافر العناصر لقيام مظلّة دولية حاضنة وداعمة لتقرير الزمان والمكان، والمرتجى.

تبقى ملاحظتان:

الأولى، أن إستئناف جلسات مجلس الوزراء أمر مهم، وضروري لإقرار موازنة عامة إصلاحيّة شفافة، وإقرار وتنفيذ خطة النهوض الإقتصادي بالتنسيق والتعاون مع صندوق النقد الدولي، والدول المانحة. والحرص على إجراء الإنتخابات في مواعيدها… ولكن الحوار يبقى أولوية ليقول اللبنانيون أي لبنان، وأي نظام يريدون كي لا يذهب وطنهم جوائز ترضية.

والثانية، أن بعض المتحمسين للحوار لا يريدونه، ويحاولون المستحيل لتطييره، وتطيير الإنتخابات، رغم الحماس الكبير لها، والإصرار على خوضها. هؤلاء مسيّرون غير مخيّرين، ومجندون لخدمة مشاريع خارجية، ولا همّ إن كانت على حساب لبنان!