| غاصب المختار |
على الأرجح، لن تُغيّر رسالة الموفد العربي ـ الدولي جان إيف لودريان إلى النواب الـ 38، كلمة أو حرفاً من مواقف القوى السياسية حول مقاربة الاستحقاق الرئاسي، خاصة بعد مواقف أركان قوى المعارضة برفض أي حوار تحت قبة البرلمان، وموقف ثنائي “أمل” و”حزب الله” المتمسك بترشيح سليمان فرنجية مع فتح الباب لمناقشة أسماء اخرى، ومواقف بعض النواب المستقلين و”التغييريين” المتذبذب والضبابي وغير الواضح، مع ملاحظة “مفاجأة” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل رداً على تسريبات بعض الصحف بأنه “لا زال مؤيداً وملتزماً بالكامل بالتفاهم القائم مع القوى المعارضة وللتقاطع على ترشيح وتأييد جهاد أزعور”، نافياً ما تردد عن تفاهم مع “حزب الله” على إيراد اسم فرنجية من ضمن لائحة أسماء المرشحين، حيث أعلن أيضاً أن “الحوار مع حزب الله لم يصل بعد إلى مرحلة التداول بالأسماء”.
على هذا، تتوقع مصادر عديدة عدم توصل لودريان في زيارته المقبلة، في أيلول المقبل، إلى أي نتيجة جدّية يمكن أن تؤدي إلى حل أزمة الشغور الرئاسي، لا سيما أن كل أساليب “الترغيب والترهيب” العربية والدولية، ومنها فرض عقوبات أو إجراءات عل معرقلي انتخابات الرئاسة، لم تترك أثراً يُذكر لدى سياسيين جلودهم سميكة كجلود التماسيح.
تختزن هذه المشهدية الرئاسية الواقع الرسمي والسياسي اللبناني المأزوم، فكيف إذا كانت معطوفة على توترات أمنية خطيرة كحادثة شاحنة الكحالة وبركة مياه القرنة السوداء وسواها…؟ بحيث تتخذ فوراً طابع الانقسام الطائفي الفتنوي، تارة مسيحي ـ شيعي وطوراً مسيحي ـ سنّي، أبعدها الله عن الخلاف المسيحي – الدرزي في الجبل المحمية تفاهماته برموش العين حتى الآن، هذا عدا عن مشهدية إقليمية متقلّبة ومتغيرة أو غير ثابتة على صورة واضحة، نتيجة عدم حسم الكثير من الأمور بشكل نهائي، لا سيما بالنسبة للأزمة السورية، التي انعكست أزمات على لبنان، سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وديموغرافية، لا حلول لها في المدى المنظور، نتيجة غياب السياسات اللبنانية الرسمية والحزبية الواضحة والثابتة في مقاربة هذه الملفات، ونتيجة الضغط الدولي الكبير والخطير لفرض حلول لهذه الأزمة لا يراعي مصلحة الشعب السوري ولا الشعب اللبناني.
في ظل هذه التعقيدات الكثيرة، من الصعب أن يكون حل أزمة الشغور الرئاسي في أيلول، وثمة توقعات من متابعين للحراك القائم داخلياً وخارجياً بأن يستمر الشغور إلى ما بعد مرور سنة على حصوله، أي نهاية تشرين الأول المقبل، إن لم يكن حتى نهاية السنة.
ثمة مشكلات كبيرة في لبنان تتخبط حكومة تصريف الأعمال والقوى السياسية المشاركة فيها في كيفية حلّها، فتلجأ إلى الترقيع مرة، وفرض ضرائب ورسوم غير مباشرة على الناس مرة أخرى فاقت قدرة الكثيرين على تحمّلها، وآخرها زيادة تعرفة الانترنت والكهرباء والرسوم البلدية والمعاملات الرسمية على أنواعها، بين 10 و20 ضعفاً، فهل يمكن للموفد الفرنسي أن يفتح باب تخفيضها مثلاً إذا نجح في معالجة أزمة الشغور الرئاسي؟ وهل يمكن لدول الخماسية الشقيقة والصديقة للبنان أن تنتشل الطبقات الشعبية المسحوقة من هاوية الانهيار إذا تم انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل تكفل هذه الدول إعادة النازحين السوريين بعد انتخاب الرئيس إذا تشكلت حكومة جديدة في العهد الجديد كاملة المواصفات والصلاحيات؟.
إنها ليست أزمة رئاسة فقط… إنها أزمة متعددة الأوجه ضحيتها أغلبية الشعب اللبناني، وأسبابها واضحة، والمسؤولون عنها معروفون، فليبحث الموفد الفرنسي عن أسباب العلة، لأن انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة فقط من القوى السياسية ذاتها لن “يشيل زير الأزمة من بير الانهيار”.