| مرسال الترس |
بالتأكيد من حق كل سياسي لا ينظر إلى الأمور الاّ من وجهة نظر شخصية ضيقة، أن يعمل على استغلال أي حادثة أو أمر عابر، ليوظفه في مشروعه السياسي الذي غالباً ما يكون بعيداً عن المصالح الوطنية العليا التي تعني كل المواطنين.
ومن المتعارف عليه أن الأحزاب السياسية، ولاسيما منها العريقة التي خبزتها الأحداث وعجنتها، يُفترض أن تدرس خطواتها بدقة متناهية حتى لا تقع مجدداً في أخطاء كانت قد تورطت بها خلال عقود وربما سنوات خلت.
مثل هذه الوقائع تنسحب إلى حد كبير على رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميّل. الحزب الذي تأسس عام 1936 على يد جده النائب والوزير السابق الشيخ بيار الجميّل. فمنتصف الأسبوع الفائت، كاد حادث سير صدفة لشاحنة صغيرة في بلدة الكحالة، أن يتحوّل إلى فتنة لا تبقي ولا تذّر، جراء “الهمروجة” الإعلامية التي أطلقها مناصرون كتائبيون، وجرّوا وراءهم وسائل إعلام “عاشقة للرقص” على ساحات التوتير الطائفي والمذهبي، لولا تصرّف الجيش بحكمة وتعقل في امتصاص التجييش الإعلامي، الأمر الذي لم يرق للنائب نديم الجميّل فانتقد بيان المؤسسة العسكرية بطريقة لافتة وغير مسبوقة. أما أبن عمه الجالس سعيداً على كرسي رئاسة الحزب العريق، فذهب إلى أبعد بكثير، حيث سارع إلى ترؤس اجتماع للمكتب السياسي في قسم الكحالة بالتحديد، مطلقاً التهديد والوعيد: “لسنا مستعدين للتعايش مع ميليشيا مسلّحة في لبنان”، داعياً المعارضة إلى الانتقال من “الاسلوب التقليدي” بالعمل السياسي إلى موقع آخر “وجودي كياني”، وطالباً من كل الكتائبيين أن يعلموا أن حزبهم “انتقل إلى مرحلة جديدة”!
وفيما سارع مسؤول حزبي كتائبي إلى القول إن الحزب لا يسعى إلى التسلّح من جديد، فإن كلام الجميل طرح اسئلة عن فحوى ذلك “النضال الكياني والوجودي غير التقليدي” الذي قصده الشيخ سامي. ومن بين تلك الأسئلة ما إذا كان ذلك “النضال” على طريقة معالجة قضية “بوسطة عين الرمانة” عام 1975، أو التخطيط لمجزرة إهدن أخرى عام 1978، أو ربما للدخول في مواجهة عسكرية كما حصل في بلدتي بلاّ وقنات مع الجيش السوري المنضوي حينذاك تحت مظلة قوات الردع العربية، أو لعله قرار مشابه لإرسال قوات ميليشياوية إلى الجبل حيث تورطت بمواجهة مع الأهالي هناك بعد انسحاب جيش الاحتلال الاسرائيلي في ليلة ليلاء مطلع الثمانينات؟
ولم يكتف رئيس “الكتائب” بتلك الدعوة المستغربة، والتي تطرح أكثر من علامة استفهام في خلفياتها، بل ذهب إلى ربط ما حصل في الكحالة، وهو انقلاب شاحنة صغيرة بحادث سير على الكوع الشهير للبلدة، بمقتل عضو في حزب “القوات اللبنانية” في إحدى البلدات الجنوبية والذي لم تتوضح خلفياته بعد، مع حادث أمني وقع قبل فترة في القرنة السوداء في إطار الصراع على ملكيتها بين قضائي الضنية وبشري.
فهل يمكن للشيخ سامي أن يفسّر ما هو الرابط بين مثل هذه الأحداث، غير أن المطلوب أن تكون هناك حملة كراهية واستعداء للمقاومة يقف وراءها خارج معروف، في وقت يُرسل النائب سامي الجميل موفدين من “الكتائب” سراً للتفاوض مع “حزب الله” حول الاستحقاق الرئاسي؟!