/ محمد حمية /
لم يكن قرار “حزب الله” وحركة “أمل” العودة إلى مجلس الوزراء بعد مقاطعة دامت لأشهر، مُنعزلًا عن تطورات ومتغيرات المشهدين الإقليمي والدولي، وإن كانت الضرورات السياسية والاقتصادية الداخلية فرضت نفسها على قرار “الثنائي”.
فما هي خلفيات هذا القرار وأبعاده؟ وهل ثمة اتفاق تمت صياغته خلف الستار، وتم انضاجه وإخراجه الى العلن بالتزامن مع بروز مؤشرات إقليمية دافعة لاقت التقاء المصالح السياسية المحلية؟ وهل يعني أن البلاد دخلت في مرحلة جديدة عنوانها لجم الانهيار، والحفاظ على الاستقرار، والتهدئة لتمرير الانتخابات النيابية، والبدء بمرحلة النهوض بعدها؟ وماذا عن قضية المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق بيطار في ضوء قرار “الثنائي”؟
ما استرعى الانتباه في بيان “الثنائي”، هو ربط عودته إلى مجلس الوزراء بـ”إقرار الموازنة العامة للدّولة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي، وكل ما يرتبط بتحسين الوضع المعيشي والحياتي للّبنانيّين”. وفي عملية حسابية بسيطة يتضح أن مناقشة الموازنة تحتاج الى 6 جلسات على الاقل، وكذلك فإن خطة التعافي تحتاج الى شهر على الأقل، فضلاً عن الملفات المعيشية التي لا تنتهي بجلسة احدة، ما يعني أن “الثنائي” ضخّ الحياة في عروق مجلس الوزراء لثلاثة أشهر بالحد الأدنى، أي حتى آذار المقبل، ونكون قد دخلنا حينها في المهل القانونية للانتخابات النيابية، وبعدها “يخلق الله ما لا تعلمون”.
مصادر مطلعة على موقف “حزب الله” قرأت في قرار “الثنائي”، لـ”الجريدة”، تحولاً في الموقف أتى نتيجة حملة سياسية – إعلامية شعواء، لتحميل “الثنائي” مسؤولية تعطيل مجلس الوزراء، وما ينتج عنه، من تدهور للعملة الوطنية، وإفلاس المؤسسات، وتناسل الأزمات المتعددة، اضافة الى الصرخة الشعبية في مختلف المناطق، ومن ضمنها بيئة “الثنائي” نفسها، فوجد أن استمرار المقاطعة، قد يؤدي الى سلسلة انهيارات اضافية قد لا يتحملها.
والأهم، بحسب المصادر، أن قرار المقاطعة لم يعد مجدياً، كون سبب المقاطعة كان القاضي طارق بيطار الذي لا يزال في مرحلة كف اليد، لأن الهيئة العامة لمحكمة التمييز لم تتخذ قرارها بعد بدعاوى الإرتياب المشروع ورد الطلب ومخاصمة الدولة، التي قدمها المدعى عليهم في القضية، لا سيما وأن انعقاد الهيئة بات شبه مستحيل، بعدما فقدت نصاب الانعقاد بإحالة أحد أعضائها الى التقاعد، وصعوبة تعيين مكانه في ظل الانقسام السياسي.
وفي رأي تلك المصادر، أنه إن حمل قرار “الثنائي” تضحية وتراجعاً في مكان ما، إلا أنه يختزن حكمة وبصيرة، فضلاً عن أنه حمل في طياته مكاسب استراتيجية من بينها: التعويض لرئيس الجمهورية، وتعويم العهد الذي تعرض لنكسة بعد اجهاض دعوته للحوار من قبل خصومه الذين أرادوا ليّ ذراعه، وبالتالي شدّ أواصر التحالف والعلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وفريق 8 آذار قبل الانتخابات.
وألمحت المصادر الى تفاهم جرى على خط بعبدا ـ الضاحية، بعد اتصال تلقاه الرئيس ميشال عون من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، فيما لقاءات الحاج وفيق صفا والنائب جبران باسيل لم تتوقف، لاحتواء عاصفة التوتر في العلاقة بين “الثنائي” و”التيار”، لا سيما وأن باسيل هدّد أمس بأن استمرار تعطيل الحكومة سيدفع “التكتل” الى نزع الثقة عنها.
وتكشف المصادر عن تطمينات حصل عليها “حزب الله” من عون وباسيل حيال حل أزمة البيطار، وقد يردّ عون “جميل” لـ”الثنائي” تفعيل مجلس الوزراء، بإيجاد مخرج للبيطار ألمح إليه عون خلال كلمته منذ يومين لأهالي شهداء المرفأ.
أما المخرج المتوقع، بحسب المصادر، فيمكن أن يظهر خلال شهرين، ويقضي بتجميد قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز وفي هذه الحالة لا مانع من حضور وزراء “الثنائي” و”المردة” الجلسات، وبالتالي تبقى يد بيطار مكفوفة حتى تخييره بين وضع قراره الظني، ولو كان مجتزأً، أو إقالته بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء.
وتربط المصادر بين التسوية الحكومية وبين التعاميم التي أصدرها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التي أدت الى انخفاض سعر صرف الدولار، وتكشف أن هذه التسوية نُسِجت خلال الاجتماع الذي حصل بين الثلاثي: الرئيس نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف خليل ورياض سلامة منذ أيام، واصفة ذلك بتسوية “الإنقاذ المالي”.
وتخلص المصادر الى أن قرار المقاطعة انتهى، وسيعود الوزراء الى مجلس الوزراء بشكل كامل حتى الانتخابات النيابية، وحينها تتحول الحكومة الى تصريف اعمال، وبالتالي لا تعود المقاطعة ذو نفع.
وثمة من يقول إن الانفراج الداخلي، ليس بعيداً عن المؤشرات الاقليمية الدولية القادمة من فيينا، حيث تنقل مصادر المشاركين هناك أجواء تقدم نوعي، ودخول في مرحلة نقاش التفاصيل التقنية قبل صوغ الاتفاق النهائي.
كل ذلك يجري بموازاة عودة الدفء للعلاقات الايرانية ـ السعودية، وإعلان الطرفين فجأة عودة التبادل الدبلوماسي والسفارات.
ولا يمكن أيضاً إغفال أن التسوية الداخلية “غير المعلنة”، ترافقت مع قرار أميركي أبلغته السفيرة الاميركية في لبنان للرئيس ميقاتي باستثناء الغاز المصري من عقوبات “قانون قيصر”، إلى جانب عودة الوسيط الاميركي هوكشتاين الى بيروت خلال أيام لإحياء مفاوضات ترسيم الحدود.
فهل تزامُن وترابُط هذه التطورات محضُ صدفة؟ أم لها علاقة بقرار أميركي لترتيب الملفات في المنطقة، في ظل المواجهة التي تخوضها مع روسيا في أكثر من موقع، لا سيما في أوكرانيا؟