| زينة أرزوني |
لو كان الشعب اللبناني يُدرك أن “ثورة 17 تشرين”، ستأتي بنواب يدافعون عن المثلية الجنسية، ويطالبون بتشريعها في لبنان، لما نزلوا إلى الشوارع وأضاعوا وقتهم، وتجنبوا صدامات مع الجيش، وقنابل دخانية، وعصي، تعرضوا لها في الساحات… اليوم، يعدون تلك الضربات، تحسراً على ما أنتجت “17 تشرين”.
هذه خلاصة بسيطة يمكن استنتاجها في جولة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي اشتعلت بعد مدافعة النائب مارك ضو عن “المثلية”، وهجومه على وزير الثقافة محمد مرتضى الذي قرر منع عرض فيلم “باربي” في صالات السينما بلبنان، لأنه يروّج للشذوذ الجنسي.
ولكن السؤال الأهم، اليوم، هل “معركة الشذوذ” التي يخوضونها باتت أولوية عند نواب رأى فيهم الشعب أملاً في خلاصهم من طبقة فاسدة؟ أم لأن فريقاً يختلف معهم في السياسة ألقى الضوء على محاولات لاختراق البيئة اللبنانية، وأولهم كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله؟ عَلَت الأصوات، التي تدعي التحرر والمدنية، من باب الشذوذ، ليس دفاعاً عن حرية أشخاص قد يتعرضون للتعنيف في السجون في حال تم توقيفهم واكتُشف أنهم من جماعة “ميم”، كما برر ضور في حديث صحفي سبب توقيعه مع 9 نواب على اقتراح قانون لإلغاء “المادة 534” من قانون العقوبات، ولكن كرهاً وعناداً لأي مشروع أو قرار يتخذه الفريق الآخر، وهذا ما بدا واضحاً من خلال تصويب ضو في تعليقاته على وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد المرتضى ، علماً أن “اللقاء الوزاري التشاوري”، الذي عقد في الديمان قبل أيام، دعا إلى حماية المجتمع اللبناني من ظواهر الشذوذ.
“الثورة” التي يقودها مثقفون وفنانون ونواب، دفاعاً عن “المثليين” في لبنان، تُظهر وكأننا شعب ننام ونصحى على ألوان ابتكرها شاذ أميركي يدعى جيلبر بيكر عام 1978، أو أنه ما من منزل إلا وفيه شاذ يستنجد بهم. إلا أن اعتراضات الأهالي على وسائل التواصل، ورفض جميع الأديان والمجتمع لهذه الآفة التي تُفرض عليهم وعلى أولادهم بالقوة، من خلال دس السم في العسل عبر تعويد الأطفال على ألوان علم “الشذوذ”، من خلال بعض الألعاب وأدوات القرطاسية والمنتجات التي توزع في المراكز التجارية في مختلف المناطق، حتى لا ينفروا مستقبلاً من الشذوذ الجنسي، تؤكد أن المشروع أكبر من إلغاء مادة بالقانون أو عرض فيلم، وإنما هو تطبيع فكري تسوّق له شركات ومنظمات دولية، لاختراق دول العالم الثالث بهذه الأفكار، وفرض الانحلال الأخلاقي عليها بالقوة، وتحريرها رويداً رويداً من الروابط الدينية والاجتماعية والعائلية.
“المثلية” أشعلت أيضاً مواجهة بالقوانين، حيث وقع تسعة نواب من عدة كتل نيابية، على اقتراح قانون لإلغاء “المادة 534” من قانون العقوبات التي تنص على أن “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس سنة واحدة”، فيما تم تسريب مشروع قانون حمل عنوان “مناهضة الشذوذ الجنسي في لبنان”، أعده “مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير”، ليتداول أن من يقف خلفه ويريد طرحه في المجلس النيابي هي “كتلة الوفاء للمقاومة”، إلا ان النائب أمين شري نفى ذلك.
كما أشعلت حرباً كلامية بين ضو والمرتضى، الذي رد على اتهامه له بأنه وزير “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، أن ضو “نائب الغفلة ومُشرِّع الشذوذ وثمرة القانون الشاذ، فلن نبالي بك ولن نردّ على تفاهاتك”.
وبدأ التصعيد حين ردّ المرتضى على منتقدي قراره منع عرض فيلم “باربي”، بمادتين من الدستور اللبناني هما 9 و10، وقال إنهما “تفرضان على الدولة تأدية فروض الإجلال لله تعالى، واحترام التعاليم الدينية، ومنع أيّ تعليمٍ يناقض القيم الأخلاقية المنبثقة عنها”. وأضاف: “المسيحية والإسلام، ينبذان الشذوذ الجنسي المخالف لنظام الخالق، ويدعوان إلى مواجهة هذه الظواهر لأثرها الكارثي على المجتمع”، وأرفق التغريدة بنص اقتراح قانون تقدم به نواب من “كتلة التغيير”، يرمي إلى الغاء المادة 534 من قانون العقوبات.
ورد مارك ضو على المرتضى، بدوره، قائلاً: “إهانة للثقافة أن لقب وزير يُمنح لهذا الشخص، وإهانة للقضاء لأن يمنح لقب قاضي”.
وأضاف: “هذا يظن أنه وزير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعتقد أننا نعيش في دولة دينية وليس مدنية. هذا وزير يخاف من فيلم باربي، ومن بعض الألوان”.
كما رد المرتضى قائلا: “وقتك الثمين للتشريع لا تضيّعه على مشاهدة فيلم باربي. قف قليلًا أمام المرآة فهذا يكفي”.
الدفاع عن فيلم “باربي” كان له حصة الاسد مع النائب نديم الجميل، فاستعمل لغة القتل والترهيب و”جهاد الأطفال” عند الطرف الآخر، ليظهر أنه يدافع عن “ثقافة الحياة”، متحدياً وزير الثقافة في حال منع عرض الفيلم بالصالات اللبنانية، بأنه سينصب الشاشات ويعرضه في الساحات العامة. ولم يكتف بذلك، بل ذهب أبعد نحو إعادة طرح الفيدرالية والتقسيم بسبب “باربي” ودفاعه عن الشذوذ!
وكأن الشعب هذا ما ينتظره من نواب لم تحركهم أوجاع وصراخ وذل شعب بأكمله على مدار ثلاث سنوات، حركتهم أصابع أرجل “باربي”، في فيلم صُرفت عليه ميزانية تساوي ميزانية دولتهم لاستثماره في مشروع طويل الأمد.