/ زينة حداد /
بغض النظر عما حيل بالأمس من قرار بالتسكير ومن ثم عدم تسكير “تلفزيون لبنان”، فإنه عار على السلطة السياسية أن تفكّر، مجرد تفكير، في إقفال هذه المحطة الوطنية التي تحظى باحترام كبير في وجدان الناس، على الأقل، من سنّ الأربعين فما فوق. كأنه دكانة في شارع معزول، فإذا تضاءل ربحُها المادي أو انقطع، فكَّر المَعنيّ بها في إقفالها وإراحة نفسه. لكنْ هل المشكلة اليوم هي في إضراب الموظفين أم في التأخير في دفع مترتبات مالية لهم في ذمة الدولة منذ سنة على الأقل؟ وقد قبض كل موظفي الدولة الزيادات منذ سنة، إلّا موظفي «تلفزيون لبنان» الذين وُعِدوا أكثر من عشر مرات خلال هذه السنة أنهم سيحصلون عليها، إنما من دون جدوى!
هناك قُطبَة سياسية، وهناك قُطبَة مذهبية. القطبة السياسية بدأت من 15 عاماً في ترك المحطة بدون إنتاج برامج “بالمَرّة”، وبصرف معاشات كانت تتأخر أحياناً عشرين يوماً. “مالنا ومال القديم!” الفجور السياسي اندلع بين وزير الإعلام الأسبق ملحم رياشي، أول عهد الرئيس ميشال عون، وبين رئيس «التيار» جبران باسيل في مَن يعيّن رئيس مجلس الإدارة. كل الأسماء الأخرى للإدارة كانت جاهزة، ما عدا اسم الرئيس، وقد تشبّث كلٌّ برأيه. ومرّت سنتان ونصف السنة واستقالت الحكومة، فمات الموضوع. السياسة التي لا رَبّ لها بالمنطق المهني والأخلاقي، استمرّت في المعاندة المتبادَلة بين الوزراء الجدد و«التيار»، لأنه كان يريد أن يأخذ هذا الموقع، والوزراء يرفضون، والسنوات تمرّ على المحطة من سيءٍ إلى أسوأ، حتى وصول زياد مكاري الذي اصطدم بهذا الواقع. حاول معالجته بهدوء ومن دون صخب، وكاد أن ينجح في إقناع رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في حلّ مشكلة إدارة التلفزيون الوطني، لولا «همس» اللحظات الأخيرة التي استقالت الحكومة بعدها بأيام، فعُدنا إلى المربع الأول وانتقلت المشكلة إلى ما بين الوزير مكاري، و«الحارس القضائي» فيفيان لبّس التي تدير التلفزيون. خلافات طويلة عريضة بين الوزير والمديرة، أدت إلى كف يد المديرة، ورجوع الموضوع إلى كنف مكاري منذ سنة تقريباً. وجاء موضوع الزيادات المالية لموظفي الدولة، وموظفي «تلفزيون لبنان» منهم، فنال كل موظفي الدولة مخصّصاتهم المالية إلّا موظفي التلفزيون الرسمي. لكن تزداد الفضيحة والمرارة حين نعلم القُطبة المخفية المذهبية التي أسهمت في تأخير المدفوعات.
توقيع الكاثوليكي كان الأكثر تأثيراً في التأخير في البتّ بالزيادات المالية
القُطبة المَخْفية المذهبية هي اعتراض بعض شخصيات طائفة الروم الكاثوليك، ومنهم رجال دين كبار، على عدم وجود رئيس مجلس إدارة في المحطة، طائفته كاثوليكية، وتالياً لا يُحَبّذون أن يأخذ التوقيع عنه، مسؤول من طائفة أخرى حتى لا تصبح سابقة، وتدوم مع دوام الفراغ في مجلس الإدارة. وهذا السبب (أي توقيع الكاثوليكي) كان الأكثر تأثيراً في التأخير في البتّ بالزيادات المالية، والوعود، والتسويفات ريثما تُحَل القضية فلا يُتّهَم وزير الإعلام مكاري، وهو الماروني، بأخذ توقيع الكاثوليكي! ويقال إن مكاري استطاع حل الأمر، بطريقته الهادئة، مع المعنيّين، وبدأ العمل مع وزارة المال لصرف الأموال. وتأخر الصرف مرة ومرتين وثلاثاً وعشراً حتى بلغ السيل الزبى بالموظفين وأعلنوا الإضراب الكامل حتى نيل الحقوق كاملة. بعد الإضراب، تسرّع الجدل بين وزارة الإعلام ونقابة الموظفين حتى يوم الأربعاء حين وعَد الوزير النقابة بأنّ الأموال أصبحت جاهزة وسيقبضها الموظفون يوم الجمعة. ولأن الموظفين ملذوعون من الوعود السابقة، فقد أصرّوا على عدم فك الإضراب قبل أن تصبح مخصّصاتهم في جيوبهم. هنا أصبح في المسألة شيء من محاولة «كسر كلمة» تطّورت مفاعيلها حتى طلع خبر تسكير الوزير مكاري للتلفزيون، وهي خطوة «استعراضية» لأنّ قراراً بهذا الحجم يتّخذ في مجلس الوزراء لا في مكتب الوزير، فصدر من مكتب الوزير نفيٌ لإقفاله التلفزيون.
على أن في كواليس مبنى «تلفزيون لبنان»، مَن يقول إنّ هناك «تدخُّلاً» سياسياً تصعيدياً، غير مرئي، في تشدّد نقابة الموظفين، كون بعض المسؤولين فيها من محازبي «التيار»، ويُخشى إدخال التلفزيون الرسمي والموظفين أجمعين في بازار سياسي لا يعود بالإمكان تطويقه، على خلفية الوزير مكاري السياسية، و«التيار» يخوض معركة مع مرجعية مكاري المرشّح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية!
وبهذا، صار الوضع في «تلفزيون لبنان» مقسّماً بين بنشعي وميرنا شالوحي. لكنّ الأمور على ما يبدو سائرة نحو الحل الذي يسعى إليه من اللحظة الأولى للإضراب مفوّض الحكومة لدى «تلفزيون لبنان»، المدير العام للوزارة حسّان فلحة بشكل «لا غالب ولا مغلوب».