“التيار”: تجاوزنا النقاش في الإسم إلى الجمهورية

/ غادة حلاوي /

بواسطة أصدقاء مشتركين انطلق الحوار مجدداً بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”. العلاقة بين الحليفين تواصلت وإن طغت عليها البرودة، بدليل الرسائل النصّية التي لم تنقطع بين رئيس “وحدة الإرتباط” في “الحزب” وفيق صفا ورئيس “التيار” جبران باسيل، واقتناع كل منهما بحاجته إلى الآخر، فكيف حين يتوضح أنّ البديل القائم غير مريح للتيار الذي يحتسب أي تراجع في ميزان الرأي العام. منذ أعلن “حزب الله” تمسّكه بترشيح سليمان فرنجية كان يردد على مسامع باسيل مباشرة أو عبر الأصدقاء المشتركين “أنّ لك ما تشاء وعلى بياض مقابل أن تعاود البحث في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية”.

هنا بدأت الأوضاع تلين حتى رست على المعادلة الآتية: للتيار مرشحه ولـ”حزب الله” مرشحه في المقابل. رفع التيار “الفيتو” عن فرنجية كمرشح من بين الأسماء المرشحة، وقبل “حزب الله” الا يكون رئيس “المردة” اسماً واحداً للتفاوض في شأنه. هنا تجاوز التيار النقاش من رئيس الجمهورية إلى الجمهورية طارحاً الحوار على مسألتين هما: اللامركزية الإدارية والصندوق الإئتماني. مطلبان إن تحققا سيحتسبان “للتيار” لأهميتهما، وبتحقيقهما يكون قد حقّق إنجازاً يزيد بأهميته اختيار شخص رئيس الجمهورية. منذ أعلن باسيل المشروعين فتحت أبواب التشكيك والإتهام بالمقايضة والتراجع عن شروطه المسبقة لـ”حزب الله”. مسألة جديرة بالأسئلة حول طرح اللامركزية والصندوق، بتوقيته وأسبابه الموجبة وخلفياته وارتباطه بالاستحقاق الرئاسي.

الصندوق الإئتماني

مغالطاً كل ما يشاع يؤكد “التيار الوطني الحر” أنّ “الصندوق الإئتماني ليس صندوقاً يضاف إلى الصناديق الموجودة، بل يختصر كل الصناديق ويلغيها، هو أقرب إلى ما كانت عليه في الماضي وزارة التصميم العام التي كانت تمتلك القدرة على التخطيط للمستقبل الإقتصادي للبلد، وعبارة عن هيئة تمتلك القدرة على التنفيذ، وفكرة يعاد طرحها اليوم بسبب الإستحقاق الرئاسي، هدفها حماية أصول الدولة اللبنانية وممتلكاتها من خطر البيع، ولاستثمارها في سبيل تكبير حجم الإقتصاد اللبناني”.

المطلوب أن يشكل الصندوق منطلقاً لإصلاح الإقتصاد واستنهاضه وللتعويض ولو جزئياً من خلال أرباحه على المودعين الذين خسروا الكثير من أموالهم ولإشراك القطاع الخاص في إدارة المشاريع الكبرى في الدولة اللبنانية وتكبير حجمها.

وحسب ما هو وارد فإنّ فكرته تقوم على التكامل بين القطاعين العام والخاص ويضم مجموعة من الصناديق حسب الإختصاص. مثلاً صندوق للنقل يعنى بكل ما له علاقة بالمواصلات، وآخر للإتصالات أو خاص بالمرافئ، بحيث تحتفظ الدولة اللبنانية بكل أصولها، ولكنها تفتح الطريق أمام القطاع الخاص ليساهم كل بحسب رغبته في تمويل استثمارات تؤمّن الربح للمستثمر وللدولة التي عليها ومن خلال عائدات المشاريع التي تقيمها أن تعوض المودعين.

انطلق الحوار في شأنه بين “الحزب” و”التيار” الذي يرى فيه بنداً من بنود تفاهم مار مخايل في الشق المتعلق ببناء الدولة “وهذه خالية من صفقات ولا هي ثنائية كما أساء البعض فهمه”، تقول المصادر، وتكمل: “ليست صناديق ثنائية، بل هي تجمع أصول الدولة وتضعها في صندوق تديره شركة عالمية خاصة، ملكيته للدولة اللبنانية كاملة وللشعب اللبناني ولا أحد يؤثر عليه”.

اللامركزية

وفق المنظرين للمشروع أنه يأتي متكاملاً مع اللامركزية الإدارية لكونه بنداً إصلاحياً ورد في وثيقة الوفاق الوطني منذ 33 سنة، ومنعت القوى السياسية تطبيقه و”من يدعي أنّ “التيار” قايض بين الرئاسة واللامركزية فهو إما صاحب نوايا سيئة أو جاهل لأنّ “التيار” يسعى إلى تطبيق بند من بنود الطائف الذي هو بند ميثاقي وتطويري وتحديثي للإدارة ولتأمين الإنماء المتوازن، كما ورد في مقدمة الدستور، والذي لا يتأمن لا بين المناطق ولا بين القطاعات إلا بوجود اللامركزية الإدارية المالية الموسعة التي تعطي سكان الوحدات استقلالية في إدارة شؤونها اليومية المالية من خلال حصولها على نسبة من الرسوم والضرائب لا تتجاوز 30 بالمئة بينما تبقى 70 للجباية المركزية”.

لكن هذا القانون الذي أشبع درساً في البرلمان بعدما تقدم به الوزير السابق زياد بارود “يحتاج إلى تحديث وتطوير”. يقول هؤلاء إنّ”اللامركزية الإدارية بما تؤمنه من استقلالية لمجالس الأقضية والبلديات واتحاداتها وللمدن يجعلها ترسم لنفسها دوراً اقتصادياً وتعطي المناطق منافسة وتكاملية، تحت سقف القانون العام وليس استقلالية سياسية لها، بل فقط لامركزية إدارية موسعة من خلال الصلاحيات التي تعطى للقائمقام والمحافظ وتصبح في عهدة من ينتخب”. لذلك اللامركزية “بند إصلاحي كبير يتلاقى مع الصندوق الإئتماني لجهة تأمين موارد مالية إضافية ويضمن حسن إدارتها وتطوير الاقتصاد وتحقيق الإنماء المتوازن”. والثنائية بين المشروعين هو ما يجري الحوار في شأنه بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وسيأتي وقت تشترك فيه كل القوى السياسية لكونه شأناً وطنياً يعني كل اللبنانيين”، على ما تؤكد مصادر مطلعة على سير الحوار بين الجانبين، وتعتبر أنّ “من يقول إنّ الوقت لم يحن لتحقيق اللامركزية الإدارية فهو جاهل أو خبيث”، وتتابع: “بعد الانهيار والأزمة السياسية المستمرة في ظل غياب رئيس الجمهورية نحتاج الى تغيير نوعي في الحياة السياسية والعامة في لبنان تنطلق ليس من انتخاب رئيس للجمهورية فحسب، بل من انتخاب رئيس على أساس رؤية تتحول الى برنامج مع حكومته، ومن ضمن هذا البرنامج تأتي أولوية إنشاء صندوق إئتماني يساعد اللبنانيين على تكبير حجم الإقتصاد والتعويض ما أمكن على المودعين”.

من ناحية “التيار” فإنّ “الفرق بين حوار اليوم إن تم الإتفاق عليه، وبين تفاهم مارمخايل هو أنّ “التيار” يطلب إقرار هذين القانونين قبل انتخاب رئيس الجمهورية وليس بعده، أي أن يتم اقرارهما وإصدار مراسيمهما التنفيذية قبل ذلك”. قال “حزب الله” ما المطلوب للتفاهم على موضوع الرئاسة؟ فكان جوابه “هذا ما يحتاج اليه لبنان اليوم في الإدارة، كما في الإقتصاد”.

تقلل المصادر من شأن القائلين إنّ الهدف إنشاء صندوق للمسيحيين وتشرح الفكرة من الصندوق واللامركزية والأسباب الموجبة لربطهما برئاسة الجمهورية، “الأمر ليس مقايضة على الرئاسة، بل إيجاد معادلة جدية بين رئاسة الجمهورية والجمهورية ونريد من خلال انتخاب رئاسة الجمهورية أن يربح الشعب الجمهورية. لم نقل نعم لسليمان فرنجية بعد ولا مقايضة، بل قلنا بدكم نحكي كيف فينا نربح الدولة”، وتتابع “الموضوع ليس مسيحياً وفشل الدولة دفع ثمنه المسيحيون والمسلمون بدليل ما قاله الحاكم بالوكالة وسيم منصوري وتنكّره لكل ما مارسه خلال مرحلة رياض سلامة وادانته المنظومة، بالقول “لن أكمل بالمسيرة ذاتها” أي أنّ المرحلة السابقة كانت مليئة بمخالفة قوانين، ولذا نحن معنيون بالخروج من هذا النظام بمشروع جديد يحفظ حقوق الشعب ويحقق التطوير في المناطق ويؤمن الإنماء المتوازن ويجعل رئاسة الجمهورية موعداً مع التغيير الحقيقي للارداة اللبنانية”.

الحوار قائم و”في جو ايجابي وسيطلع اللبنانيون على كل ما يتم التوصل اليه”. الورشة لم تنتهِ بعد، ولا الحوار، لكن لا مهلة زمنية مفتوحة، بل هي فترة محدودة وقصيرة ولا يمنع الحديث عن رئاسة الجمهورية خلالها. لا يطلب “التيار” ضمانات “بل إقرار المشروعين في مجلس النواب مع مراسيم تطبيقية”، لتختم مصادره جازمة “لم نقايض، واللعب فوق الطاولة، وهذه إن حصلت ستغيّر وجه لبنان، هو مشروع اتفاق ليس على رئاسة الجمهورية، بل على الجمهورية. ولا تفاوض على الاسم”.