| رندلى جبور |
عن أي حقيقة نسأل في وطن يدير ظهره للحقيقة، أو يطعنها في ظهرها؟
عن أي حقيقة نسأل، وهم يطمسون الأدلة، ويشوّهون المنطق، ويستغلون كل حدث للعبور إلى لا حقيقة جديدة.
هل نسأل عن حقيقة انفجار مرفأ بيروت، فيما القيّمون على العدالة المفترضة ضيّعوها، إما خوفاً، أو استغلالاً لتحقيق مآرب سياسية لا تمتّ للدم المتساقط والقهر المتناثر بصلة؟
هل نسأل عن حقيقة أموالنا المنهوبة وتلك المحوّلة والمهربة، فيما رياض سلامة خرج من المركزي “مزفوفاً”، والصراع قائم بين قاضٍ يأخذ وقته في التحقيق لمصلحة المنظومة، وبين قاضية تستعجل التوقيف، وأخرى “شيطنوها” حين فتحت ملف المغارة السوداء؟
هل نسأل عن حقيقة الانفجار الأمني الذي وقع في مخيم عين الحلوة بغفلة منّا، وهو لا يمكن أن يكون “صدفوياً”، فيما كل مخيماتنا وتجمعات اللاجئين والنازحين عبارة عن “بريد مسلّح” تصل عبره السياسات الخارجية التي تحلم بدمارنا؟
هل نسأل عن حقيقة تعطيل عهد الرئيس ميشال عون ووضع كل العصي في دواليبه، فيما هو أراد أن يضع قطار دولتنا على سكة الاصلاح والنهوض؟
هل نسأل عن حقيقة الفراغ الرئاسي، ولماذا لم يتفق الأفرقاء على إنهائه بعد، مع أنه ليس اختراعاً للبارود؟ ومن ينتظرون وماذا ولماذا؟
هل نسأل عن حقيقة تلك الـ”17 تشرين” التي قالوا عنها “ثورة”، وإذ بها ثورة على الأمل؟ ومن أوجدها؟ ومن حرّكها؟ ومن موّلها؟ ومن تلاعب بعقول الناس لـ”ينفحطوا” بها؟ ومن أراد القضاء على ما تبقى، وعلى ما كان يمكن أن يكون؟
هل نسأل عن حقيقة عيشنا الواحد تحت مكبّرات أصوات التطرف؟ وعن مواصفات “لبنان الكبير” وتفسير الصيغة والميثاقية؟
هل نسأل عن حقيقة من هو عدوّنا ومن هو الصديق؟ ومن صاحب القضية ومن صاحب المصلحة؟ ومن هو الشهيد ومن هو القتيل؟ ومن نحن أصلاً وماذا نريد فعلاً؟!
هل نسأل عن حقيقة ناس يصدّقون الكذبة، ويكذّبون الحقيقة بفخر؟!
هل نسأل عن حقيقة دول ومنظمات ومنظومات تدّعي حمل ملفنا، فيما نجهل أي سمّ تدسّ فيه؟
هل نسأل عن حقيقة آلامنا، فيما نحن من صنعها؟
وكأننا ننتمي إلى الحقائق الضائعة في وطن مشرّد، والبؤس هو في أننا نرجم من يتجرأ على قول الحقيقة بالحجارة!
نحن لم نعرف يوماً حقيقة حقيقية.
فمن اغتال الذين اغتيلوا؟
ومن فجّر ما تفجّر؟
ومن ابتلع ما اختفى؟
ومن أوجد ما لم يكن؟
لن نتحرر من أزماتنا، وموبقاتنا، ومصائبنا المولودة مع كل فجر، إلا بكشف الحقيقة.. وبقولها جهاراً!