/ وليد شقير /
هل من غرفة سوداء تخطّط لانفجار الوضع الأمني داخل مخيّم عين الحلوة، وأين توجد هذه الغرفة؟ داخل لبنان أم خارجه؟ أم في الإثنين معاً؟
أسئلة كثيرة تُطرح بسبب هذا الانفجار الأمني في المخيم الفلسطيني الأكثر كثافة سكانية وتواجداً مسلحاً متنوّعاً، لا سيّما بعد نمو التنظيمات الإسلامية المسلّحة المتعددة الولاءات المحلية والخارجية فيه. وهو ما يسهّل الاستثمار في هذه التنظيمات لأغراض أمنية وسياسية.
أول الأسئلة: من الذي يسعى إلى استهداف حركة «فتح» بهدف إضعافها في المخيّم وغيره من المخيمات؟ ولمصلحة من يتم ذلك؟ وهو سؤال يتردّد منذ زهاء سنة ونيف، وسط معطيات لدى بعض الأوساط السياسية اللبنانية والفلسطينية، في هذا الصدد. لكنّ تداعيات الحلقة الأخيرة من هذه العملية تعيد الحالة الأمنية التي غرق فيها «عين الحلوة» منذ أربعة أيام إلى الضوء بطريقة دراماتيكية شملت مدينة صيدا برمّتها، وصولاً إلى تهديد أمن الطريق الساحلي إلى الجنوب.
إغتيال كوادر مهمة وأساسية لـ»الحركة» يحصل بشكل ممنهج منذ سنوات، آخرها اغتيال اللواء أبو أشرف العرموشي، قائد الأمن الوطني في المخيم، مع أربعة من مرافقيه. والهدف هو خلق سياق للأحداث كي يحلّ فريق أو فرقاء آخرون مكان «فتح» في تولي الصدارة والأرجحية والقيادة على الساحة الفلسطينية في لبنان. وهناك جهات خارجية وأخرى محلية غير بعيدة عن هذا الهدف. فعندما يخفّ وهج «فتح» القيادي، كعمود فقري للشرعية الفلسطينية، تتبوّأ التنظيمات الإسلامية موقعاً أكثر نفوذاً، خصوصاً أنها على علاقة جيدة مع حركة «حماس»، فتنضوي تحت جناحها، رغم أن الأخيرة قد لا تكون متورّطة في مخطط إضعاف «فتح» ولا تريد قتالاً معها. وهي سعت إلى وقف الانفلات الأمني الحاصل بالتنسيق مع «فتح» وسائر الفصائل.
تتدافع تفاصيل كثيرة حول الشرارة التي أدّت إلى عملية الاغتيال، ومن ثم توسّعها، واستهداف مواقع للجيش اللبناني، وإذا كان منطقياً أن يخشى المتابعون عن كثب للخلفيات السياسية المحتملة للانفجار الأمني، من أن يتمّ توريطه في مواجهة مع مسلحين فلسطينيين وصولاً إلى الإشاعات عن تكرار سيناريو الحرب التي خاضها في مخيم نهر البارد عام 2007، فإنّ اختلاف الظروف يستبعد هذا الاحتمال، وقيادة الجيش مدركة مخاطر جرّها إلى حالة من هذا النوع، تغرقه في مواجهات تضعف موقعه في حفظ الأمن في البلد المعرّض لاهتزاز الاستقرار في ظل الفراغ في المؤسسات الدستورية.
بصرف النظر عن التفاصيل، يبدو أنّ الأمور أفلتت من عقالها في شكل قد يعاكس نوايا الغرفة السوداء التي تخطط للعب بالأمن اللبناني انطلاقاً من تقويض الأمن في «عين الحلوة». من التفاصيل التي يقف عندها بعض العارفين بالخلفيات السياسية لما يجري أن بعض قيادات التنظيمات الإسلامية انتقل قبل أشهر قليلة من سوريا إلى «عين الحلوة». وبعض الأجهزة الأمنية علِم بذلك.
الحديث يجري عن 3 سيناريوات في محاولة قراءة الوظيفة السياسية للاهتزاز الأمني الكبير:
– هناك من لم تعجبه صورة اجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي لـ»حماس»، اسماعيل هنية بضيافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة الأسبوع الماضي، في محاولة جديدة لوضع أسس للمصالحة الفلسطينية وتوحيد الجسم السياسي الفلسطيني، رغم أنّ نتائج الاجتماع لم تنتهِ إلى اتفاق واضح بسبب استمرار الخلاف حول برنامج حكومة الوحدة الوطنية التي يدعو «أبو مازن» إلى تشكيلها تكريساً لتوحيد القيادة السياسية، مقابل إصرار «حماس» على دخول منظمة التحرير الفلسطينية أولاً، الذي دونه موافقة قيادتها على قرارات الشرعية الدولية في شأن القضية الفلسطينية، كونها أساس تحرك السلطة الوطنية في المحافل الدولية. أما «حماس» فدعت إلى أن يقوم برنامج المنظمة على مواجهة إسرائيل في الضفة الغربية وغزة…
– هناك من أغضبه أن ترعى القاهرة اجتماع «أبو مازن» مع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية على الأراضي المصرية، نهاية الأسبوع الماضي، حيث دعا إلى تشكيل لجنة من مختلف الفصائل تضع برنامج المصالحة الذي على أساسه تدخل «حماس» منظمة التحرير. الخلاف تكرّر في هذا الاجتماع حيث دعا عباس إلى المقاومة السلمية للاحتلال، بينما كرّر هنية التأكيد على المقاومة المسلحة.
– بعد المواجهات بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي في مخيم جنين في الضفة الغربية، عادت السلطة الفلسطينية للإمساك نسبياً بالقرار داخله وفي الضفة، بتنفيذها جملة اعتقالات حيال بعض عناصر لجان المقاومة التابعة لـ»حماس» إثر إعلانها عن تصنيع المتفجرات، ما أيقظ الخلاف بين الجانبين. إمساك «فتح» بالقرار هناك، يخفف من قدرة إيران على تحريك الوضع العسكري فيها. وفي المقابل، يتيح إحلال تنظيمات إسلامية مكان «فتح» في لبنان، تحريك بعضها في إطار «وحدة الساحات». وبعض الإعلام اللبناني واكب الانفجار الأمني بحملات متقطعة ضد السلطة الفلسطينية باتهامات لها بالفساد، ولبعض رموزها بالتعاون مع إسرائيل.