| زينة أرزوني |
ليست المعضلة في مَن سيخلف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد انتهاء ولايته، ولا في احتمال استقالة نوابه الأربعة من عدمها، فما يحدث من جولات واجتماعات متتالية لتأمين الغطاء القانوني والتشريعي لما سيقومون به بعد نهار الاثنين في 31 الجاري، هو المهم، في حال قرروا البقاء في مراكزهم وتسلم النائب الاول للحاكم مهامه، وشرع بتنفيذ الخطة التي تحدثت عنها تسريبات إعلامية بأنها خطة صندوق النقد الدولي وليست خطة نواب الحاكم.
والأكثر خطورة، بحسب خبراء اقتصاديين، فكرة إلغاء منصة “صيرفة”، التي ستوصل في نهاية الأمر إلى المسّ بالاحتياط الالزامي لمصرف لبنان، أي اموال المودعين، لتأمين الأموال اللازمة للدولة ولتغطية نفقاتها ورواتب موظفي القطاع العام.
آخر تصريح لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حاول ضخ التفاؤل بأنه “لدينا الإمكانيات اللازمة لاستيعاب ما قد يحدث بعد يوم الاثنين، عند انتهاء ولاية سلامة”. عبارة تشبه كثيراً ما قاله سلامة قبل مدة زمنية عندما بدأ سعر صرف الدولار بالتفلت في السوق السوداء، حينها قال إن اللبنانيين سيعتادون على ذلك حتى وإن وصل إلى 10 آلاف ليرة، وها هو اليوم يلامس سعر الصرف 100 ألف ليرة، واللبنانيون اعتادوا على ذلك، وحكماً سيعتادون على مصرف بلا حاكم إلى أجل تحدده دول القرار التي تتحكم بالشغور الرئاسي، وسيعتادون على تحليق الدولار إلى سقوف قياسية جديدة، وعلى انهيار نقدي وفوضى مالية، فطوال ثلاث سنوات تم “ترويض” هذا الشعب.
الاجتماعات واللقاءات التي تُعقد لبحث تداعيات نهاية ولاية سلامة، ليست سوى مسرحيات، للفت انظار المواطن اللبناني عن المعضلة الأساسية: كيف سيُغطون على فساد منظومة تحكّمت بالبلد طوال فترة سلامة؟ وكيف سيبتدعون مخرجاً للضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي على لبنان لفرض مزيد من الحصار المالي وتركيعه بالسلاح النقدي عوضاً عن استخدام النار والبارود؟
اللبنانيون الذين خسروا ودائعهم وثرواتهم، وتآكلت رواتبهم، وهاجر أولادهم، لا يهمهم مَن سيخلف مَن ولا مَن طيّر جلسة حكومية لتعيين حاكم جديد للمركزي، ولا إن كان تطيير هذه الجلسة هو لسحب الخرطوشة الأخيرة من يد رئيس مجلس النواب نبيه بري للتملص من استلام واحدة من أصعب الإدارات في لبنان، ولا الاتصالات التي أثمرت تفاهماً أولياً على جلسة تشريعية في مجلس النواب، بما يسمح لمصرف لبنان بإنفاق نحو 800 مليون دولار تُصرف على أربعة أشهر كحد أقصى، ويجري تأمينها من الاحتياطي الموجود لدى مصرف لبنان… ما يهم اللبنانيين هو محاسبة من هرّب الاموال من المصارف، والعمل على استرجاع ودائعهم، فالتهويل الذي يمارس عليهم من خلال البيانات ومواقف النواب بالفوضى النقدية، عرفوها جيداً وعاشوها بعدما قفزت عقارب الدولار عن 1500 ليرة.
اللبنانيون باتوا يدركون جيداً ان الخطة الموضوعة من قبل نواب حاكم عاونوه طوال فترة حكمه في قراراته وساندوه فيها، سيسيرون على نفس الخطة، إن لم تكن أسوأ، وها هم يثمّنون في ثالث لقاء لهم مع ميقاتي “تجاوب القوى السياسية لتأمين المتطلبات حكومياً ونيابياً وقانونياً”.
ما يرفضه نواب الأمة في خطة نواب الحاكم المتمثلة بإلغاء “صيرفة”، واصدار قانون الـ”كابيتال كونترول” وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ليست كرمى لعيون الشعب وحفاظاُ على مصالحه، ولكن لحفظ ماء وجوههم بعدما افتضح الجميع في “Flash memory” يُطْبِق عليها سلامة بسرية تامة، وقد يستخدمها لحظة وضع الاصفاد بين يده في حال أثبتت التحقيقات الاوروبية واللبنانية ضلوعه بشبهات فساد واختلاس