/ رلى إبراهيم /
تنتهي الجمعة المقبل رسمياً ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد 30 عاماً في منصبه. الرجل الذي يُلاحق منذ عدة أشهر من الإنتربول بناءً على مذكرتَيْ توقيف فرنسية وألمانية، سيخرج من مبنى الصنائع بسجلّ عدلي “لا حكم عليه”، لينعم بتقاعد هادئ بحماية الدولة العميقة نفسها، إذ رغم كل ما كُتب وكُشف حول سلامة وكل التحقيقات الدولية والمحلية فإن قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي شربل أبو سمرا الذي يحقق في قضية الحاكم “لم يكوّن قناعة بعد” حول ما إذا كان سلامة متهماً فعلاً بجرائم اختلاس وتبييض أموال وثّقتها أكثر من 7 دول أوروبية. ويبدو أن “تكوين القناعة” لدى أبو سمرا يحتاج إلى أكثر من اعتراف رؤساء مجالس إدارات المصارف بعدم معرفتهم بوجود شركة “فوري” (مملوكة من شقيق الحاكم رجا سلامة) التي تقاضت مئات ملايين الدولارات عمولة على شراء المصارف سندات خزينة من مصرف لبنان. لا بل يطمح قاضي التحقيق، على ما يستنتج قضاة، إلى إثبات براءة سلامة من جرم الاختلاس عبر إثبات أن الأموال التي دفعها لـ”فوري” هي أموال خاصة دفعتها المصارف وليست من أموال المركزي، ما يُسقط تهمة تبييض الأموال تلقائياً. وهو، لذلك، استعجل عقد جلستَي الاستجواب مع سلامة لإقفال الملف قبل تقاعده (أبو سمرا) في تشرين الثاني، ولم يبلّغ الحاكم بموعد عقد جلسة جديدة بعد انتهاء جلسته الأسبوع الماضي. علماً أن انتهاء القاضي من استجواب سلامة يحتّم عليه عرض الملف على النيابة العامة الاستئنافية لسؤالها عمّا تطلبه بعد ذلك، سواء كان توقيف سلامة أو تركه رهن التحقيق أو تبرئته، إذ إن مصادر قضائية تؤكد عدم وصول الملف إلى القاضي رجا حاموش الذي ادّعى على سلامة قبل أن تنضم الدولة ممثّلة بهيئة القضايا إلى الدعوى ضده أيضاً، ما يسمح للهيئة بالاستئناف لدى الهيئة الاتهامية في حال صدر قرار تركه وإقفال الملف. وتصف مصادر قضائية عدم توقيف الحاكم بأنه “فضيحة”، لتوفر كل الأدلة والوثائق والمستندات، ولوجود ملفين مكتملين أولهما ملف التحقيقات الذي أعدّه القاضي جان طنوس والملف الذي أعدّه المحققون الأوروبيون بالاستناد إلى تحقيقات طنوس وتحقيقات أخرى قاموا أنفسهم بها في لبنان.
هكذا، يتواطأ القضاء مع السلطتين السياسية والدينية الحاميتين لسلامة لتأمين خروج آمن إلى منزله بعد 4 أيام ليختتم مرحلة شغل فيها منصب رجل الدولة الأول، قبل أن يتحول غداة 17 تشرين 2019 إلى دولة بحدّ ذاتها. فما افترضه البعض من سقوط للمنظومة وعلى رأسها سلامة غداة 17 تشرين 2019، انتهى باستعادة الحاكم أنفاسه وبعودته مموِّلاً أساسياً للسلطة التي كافأته بتغطية ألاعيبه الجديدة وإطالة عمره المهني، وشجّعته على التجرؤ، في عز الانهيار المالي والاقتصادي وسرقة أموال المودعين، على إنفاق ما بين 20 و30 مليار دولار بعنوان دعم السلع. فتمكّن من إبقاء القطاع المصرفي “واقفاً” على رجليه رغم إفلاسه، وتحكّم باستيراد الدواء والطحين والمحروقات، واخترع منصة “صيرفة” التي – كما وصفها البنك الدولي – تحوّلت إلى آلية لتحقيق أرباح من التداول على المنصة بلغت 2.5 مليار دولار منذ إطلاقها، مكرّراً الجريمة نفسها باستخدام الأموال لتغطية خسائر الفرق في سعر الصرف وتسجيلها خسائر على الدولة.
لذلك، ليس مستغرباً أن يسهر القاضي أبو سمرا على راحة سلامة خلال التحقيقات الأوروبية فيؤمّن له السيغار والحلوى وكل ما يلزم ليحافظ على هدوئه ورباطة جأشه، وأن يتوّج مسيرته قبل تقاعده، بتبرئة ذمة الحاكم من كل الجرائم المالية التي ارتكبها بحق الدولة وأصحاب الودائع.