| جورج علم |
أسفر لقاء الدوحة الخماسي عن خلاصات.
أولاً: ما لم تكن إيران إلى الطاولة، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة، وفرنسا، ومصر، والسعوديّة، وقطر، فكل كلام حول استحقاق رئاسي وشيك، يبقى مشكوكاً بصدقيته.
ثانياً: إن قطر أقوى من فرنسا ضمن المجموعة الخماسيّة. هي المنفتحة على إيران، والقادرة على مخاطبة الولايات المتحدة بلغة المصالح، والمتمكّنة على مستوى الثلاثي العربي.
ثالثاً: إن ما يُباعد بين دول الخماسيّة من ملفات، يجعل إهتمامها بالملف اللبناني مجرّد مناسبة لفتح نوافذ الحوار في ما بينها حول الضروري والملّح لتأمين مصالحها أولاً.
رابعاً: إن مصالح فرنسا في لبنان هي بعهدة “حزب الله”، كونه، من منظارها، الأقوى على الساحة. وطموحها علاقات اقتصاديّة واعدة مع طهران، لا تنعكس سلباً على مصالحها مع دول مجلس التعاون الخليجي.
من منطلق هذه الخلفيات، يدعو “حزب الله” إلى الحوار. وتجاريه حركة “أمل” عن إقتناع، وربما عن مسايرة، دفاعاً عن مصالح ثنائيّة مسكونة بهواجس مصيريّة حول الحاضر، والمستقبل.
تنطلق دعوة الحزب من حساباته المحليّة والإقليميّة والدوليّة، ومن ملعبه المدجّج المزنّر بالصواريخ، ومن ولاءاته المدشّمة على طول الطريق ما بين إيران ولبنان.
إمتلك، منذ العام 2016، فائضان: فائض القوّة، وفائض الرئيس القوي، وكانت النتيجة جهنم، وانهار السقف على رؤوس الجميع، ولم يوفرّ أحداً. كان بالإمكان، مع الرئيس ميشال عون، بناء الدولة القويّة، القادرة، والعادلة، لكن الوقائع فضحت المقاصد، والمطلوب لم يكن بناء لبنان، بل الوفاء لمشروع الجيران.
ليعترف الحزب بأن الفجوة الوطنيّة، لم تحفرها معاول الحليف، فالرئيس نبيه برّي اجتهد، وصاغ الكثير من الحجج والطروحات، وغطىّ الكثير من السقطات والهفوات، وسدّد ضربة تعطيل الحوار في مرمى الثنائي المسيحي، متجاهلاً سائر المكونات الأخرى التي لها ملاحظاتها.
لكن الثنائي المسيحي لا تنقصه الحجة. قناعته أن النظام البرلماني إنما هو نظام الحوار اليومي، المستمر. ومجلس النواب هو مجلس الحوار الديمقراطي حول كل الملفات. وقاعته هي قاعة المقارعة، حيث الحجة تواجه بالحجة، والمنطق الدستوري يواجه بمنطق مماثل. والديمقراطية هي الفيصل في صياغة القرارات الوطنيّة، فلا غالب، ولا مغلوب، والمصلحة الوطنيّة العليا هي المنتصر. ثم أليس الرئيس برّي هو من أفتى بأن “المجلس سيّد نفسه”، فلماذا التشكيك بمؤسسات الحوار؟
حتى مجلس الوزراء، هو مجلس الحوار الدائم على مستوى السلطة التنفيذيّة. يفنّد الأولويات. يدرجها بنودا في جدول الأعمال. يدرسها، ومن ثم يقرّر ما يلزم. سقفه سلطة رقابيّة منتخبة من الشعب اللبناني، تصحّح بدورها، ضمن اللجان النيابيّة ، قبل الإحالة على الهيئة العامة. فلماذا القفز فوق الدستور، والمؤسسات الناظمة، وطرح بدائل كمسارب، لتحقيق مآرب؟!
يبقى أن الإستحقاق الرئاسي حاضر في الدستور، وموثّق ببنوده، وآلياته، فلماذا لا يطبّق الدستور؟ ولماذا لا ينتخب رئيس وفق النصوص الدستوريّة؟ وهل المطلوب من الحوار، إنتخاب رئيس، أو الإنقلاب على الدستور، وفرض سابقة، وتحويلها إلى عرف دائم، وأخذ البلد إلى متاهات جديدة، وفرض “قواعد لعبة” تخدم مآرب فئويّة، وتتماهى مع مصالح خارجيّة؟
وتتعاطى غالبيّة الكتل المتقاطعة مع الدعوة إلى الحوار، على أنها دعوة للرضوخ لسياسة الأمر الواقع، وفرض غلبة محور على وطن القيم المشتركة. وهذا ما تسبب بقلق مصيري، ليس لدى غالبيّة المسيحييّن، بل لدى غالبية اللبنانييّن، من إقدام الدويلة على قضم ما تبقى من معالم الدولة.
هناك عقدة يجب الإعتراف بها، قبل البحث في كيفيّة فكّ أسرها. إنها أزمة الثقة المتفاقمة بين غالبية الأحزاب، والكتل، وبين الثنائي، وتحديداً “حزب الله”. أزمة يتعاظم شررها في كلّ مرّة يشترط فيها الحزب على إنتخاب رئيس يحمي ظهر المقاومة، لأن الجواب البديهي المقابل، هو: ومن يحمي ظهر اللبنانييّن من جهنم؟
ولتكن المكاشفة صريحة، ففي كلّ مرّة يكون فيها طاولة حوار، يفقد المسيحي شيئاً من ضمانات استمراره كشريك في التركيبة الوطنيّة. شارك في حوار الطائف، فإقتطعت صلاحيّات وازنة من رئاسة الجمهوريّة. شارك في حوار الدوحة، فسقطت الهالة، وتحول الرئيس إلى مدير مراسم. انتخب ميشال عون، وفق تسويّة، وتحت عنوان “الرئيس القويّ”، وكانت النتيجة البائسة “ما خلّونا”!
والمؤسف اليوم، أن عقدة الحوار قد أصبحت مثلّثة الأضلاع.
محليّاً: أزمة الثقة تتفاقم بين أنصار الدولة، وأنصار الدويلة، وليس من جوامع مشتركة إلاّ إذا قرّر الحزب وضع سلاحه بتصرف الجيش اللبناني، والإنخراط تحت سقف الدستور، والمؤسسات الرسميّة، كغيره من الأحزاب اللبنانيّة. والقرار في النهاية ليس عنده وحده، بل عند الجهات الخارجيّة الداعمة.
عربيّاً: مع كامل التقدير لإمكانات الثلاثي العربي: مصر والسعوديّة وقطر، تبقى العين شاخصة نحو جامعة الدول العربيّة، فلماذا لا يكون حضنها الحاضن للملف اللبناني، والساعي إلى وضع الحصان أمام العربة؟ إن لبنان بلد عربيّ بامتياز. هذا ما ورد في مقدمة دستوره، وهذا هو فضاؤه. فلماذا هذا التجاهل؟ ثم هل من موقف موحّد لدى الثلاثي تجاه لبنان؟
دوليّاً: هناك التباس يزنّر عمل الخماسي. هذه الدول التي إجتمعت تحت شعار مساعدة لبنان، لم تقدّم حتى الساعة أي خطة لمساعدته. ولا تستطيع إلاّ إذا ضمّت إيران إلى جهودها. وكل اجتماع تعقده حول لبنان، يبقى ناقصاً في ظلّ غياب إيران… وحتى ذلك الحين.. صيّف يا صيف على جبهة الأزمة المفتوحة…
(*) الآراء الواردة في المقالات لا تعبّر بالضرورة عن سياسة موقع “الجريدة”