/ هيام القصيفي /
من يعرف الوزير الفرنسي السابق جان إيف لودريان عن كثب يتحدث عن الفارق بين مهمته ومهمات الموفدين العاديين الذين غرقوا في جولات مكوكية طويلة. أسلوب عمل السياسي الفرنسي لا يحتمل لقاءات متعددة وسجالات مطوّلة حول الفكرة نفسها أو الملف نفسه. وما لم يكن هناك جديد «تنفيذي»، لا يمكن للودريان أن يواصل مهمة عبثية من دون طائل، ولا سيما أنه يتعاطى مع شخصيات سياسية سبق أن قال موقفه منها بصراحة، وحمّلها تبعات ما وصل إليه لبنان. لذا يفترض، بحسب عارفيه، التنبه إلى أن الوقت أساساً ليس في مصلحة لبنان، وهو كلام سبق أن ردّده لودريان نفسه، كما أن كل ما يُفترض قوله من جانب اللبنانيين قيل، وكل الأفكار طُرحت، أياً كان الإطار الذي طُرحت فيه، وليس هناك من فكرة جديدة تخرج لبنان من مأزقه. لذا لا يمكن تفسير عودة لورديان أكثر من مرة بأنها استمرار للمراوحة السابقة، إذا لم يكن يحمل في جعبته إعلان موقف واضح من اقتراحات الحل للأزمة اللبنانية.
بذلك، يصبح لقاء الدوحة إحدى المحطات الضرورية التي يُفترض أن تشكّل نقلة بين مرحلتين، وليس محطة فاصلة، لأنها تحمل شكلاً من أشكال ترجمة الخلافات التي تشهدها العواصم المشاركة في اللجنة الخماسية، والتي تحمل كل منها فكرة حل مختلفة. تماماً كما هي حال أفرقاء الداخل الذين عبّروا تباعاً، في الأيام الأخيرة، وكلّ على طريقته، عن هواجسهم ورؤاهم، قبل عودة الوزير الفرنسي، ليخلص الجميع إلى فكرة التسليم ضمناً بالشغور الطويل، بعدما أبدى كل من المعارضة والتيار وحزب الله تمسّكه بموقفه، ما خلا فروقات ظهرت أخيراً يمكن أن تشكّل إشارات معبّرة.
حدّد حزب الله والقوات اللبنانية، بصراحة، موقفهما كلّ من مرشحه. لكنّ التمايز حصل عند فكرة الحوار التي رفضتها القوات مسبقاً، كما رفضت سابقاً كل الحركة الفرنسية، وأي لقاء في باريس يوم كان فريق الإليزيه يبلور أفكار التسوية الرئاسية الحكومية، قبل انتقال الملف إلى لودريان. والقوات تظهر هذه المرة أكثر حدّة في التمسك برفضها لحوار يشارك فيه حزب الله بناءً على التجارب السابقة. لكنها أيضاً توجّه رسائل إلى التيار الوطني الحر استباقاً لأي مناورة رئاسية.
منذ التفاهم بين المعارضة والتيار على المرشح جهاد أزعور، ظل عامل الثقة مفقوداً، ولا سيما من جهة المعارضة والقوات تحديداً، والتشكيك في استخدام التيار الاتفاق مع المعارضة لإعادة مدّ جسور الحوار مع حزب الله. ما حصل في الأيام الماضية من استعادة اللقاءات العلنية بين التيار والحزب لم يثر «نقزة» المعارضين لسبب أساسي، وهو أن رئيس التيار جبران باسيل ذهب بعيداً في رفض مرشح الثنائي الشيعي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى الحد الذي لا يمكن معه التراجع بسهولة عن هذا الموقف، لا أمام تياره الذي وقف بعض نوابه ضده في التوافق مع المعارضة على أزعور، ولا أمام الشارع المسيحي الذي زيّن له باسيل موجبات رفض فرنجية والتذكير بمرحلة 1990 – 2005.
لكن، في المقابل، يُفترض التوقف ملياً عند ما جرى، لأن أي حوار مماثل يعني رسم احتمالات التنسيق بين الطرفين، إذا ما رست التسوية على مرشح الخيار الثالث. واحتمال أن يكون قائد الجيش العماد جوزف عون مرشحاً ثالثاً مطروحٌ في ظل لقاء اللجنة الخماسية وتراجع باريس عن دعم فرنجية، إذ ظهرت إلى المعارضة بعض ملامح احتمالات وصول التيار إلى هذا الخيار، تحت ضغط خارجي، مرفقاً بإغراءات عملانية تتعلق بموقعه في العهد المقبل. لا يعني ذلك تسليماً مبكراً من باسيل بقائد الجيش، خصوصاً أنه يلوّح دوماً له، عبر وزير الدفاع، بملفات عسكرية مخالفة للقانون وبأنه قائد انقلاب ضد العهد السابق. لكن رفعه السقوف العالية، مثله مثل رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، يحتمل أوجه المساومة لقبض ثمن أعلى في أي تسوية حين يحين موعدها، ولا سيما أن احتمال القبول بقائد الجيش يبقى أقل ضرراً من الالتفافة نحو فرنجية، بمجرد قبول القوات به. لكن سوء هذا السيناريو أنه يحمل أوجه المقايضات المبكرة التي تكرر تجارب تشكيل الحكومات والمحاصصة في العهد المقبل أسوة بما جرى في العهد الماضي، وتعيد إنتاج ظروف أكثر سوءاً من دون أي خطة إنقاذ حقيقية على المستويات السياسية والاقتصادية.
وإذا كان مبكراً الحكم على الحوار المتجدد، في شقّه الرئاسي، فإن إنتاج أي تفاهم ثنائي بين الحزب وباسيل من دون رضى الرئيس نبيه بري، لا يمكن التعويل عليه بالمطلق لترجمته في صورة رئاسية، أو إنتاج ترتيبات بين الطرفين تتعلق بتفاصيل تندرج تحت خانة الحكومة ومجلس النواب على السواء. فموقف بري من التيار ورئيسه لا علاقة له بالاستراتيجيا، بل يشبه موقف التيار من فرنجية، ومن الصعب على كليهما التراجع عنه بسهولة. وهذا يفضي إلى أن كل الحراك المحلي لا يزال دون السقف المطلوب ترجمته للوصول إلى إنتاج حل رئاسي. ولن يكون ذلك في وقت قريب، لا في لقاء الدوحة ولا في زيارة لودريان المقبلة.