| عماد مرمل |
بعد 30 عاماً من تولّيه حاكمية مصرف لبنان، يغادر رياض سلامة موقعه في نهاية الشهر على أنقاض حقبة كاملة طُبعت بطابعه، تاركاً خلفه أرضاً محروقة.
لعلّه أسوأ خروج ممكن في نهاية مسار متقلّب، “تدحرج” خلاله سلامة من موقع الحاكم المتفوّق الذي تنهمر عليه الجوائز والإشادات من كل حدب وصوب، إلى المتهم المُلاحَق بجرائم مالية من العيار الثقيل.
وسواء كانت مسؤولية سلامة تتمثل في خضوعه قسراً لضغوط الطبقة السياسية وطلباتها، او في تواطئه الطوعي معها وخدمته لمصالحها بكامل إرادته، فإنّ الثابت والأكيد هو انّه شريك في صنع الانهيار، وفي تضليل اللبنانيين الذين ظلّ يقنعهم حتى عشية السقوط الكبير، انّ الليرة بخير ولا داعي للهلع، وإن يكن بطبيعة الحال ليس المدان الوحيد في هندسة الهاوية.
ولكن ملف سلامة السميك لن يُطوى مع رحيله، بل سيظلّ مفتوحاً على وقع الملاحقات القضائية في الداخل والخارج، وسط فرضيتين واردتين مستقبلاً، الاولى أن يتحرّر سلامة من موجبات المركز الرسمي ويصبح اكثر حرّية في المواجهة وسط همس بأنّ الأميركيين لن يرفعوا الحماية عنه، والثانية ان يفقد الحصانة السياسية تلقائياً بمجرد خروجه من الحاكمية وتحوّله مواطناً عادياً، الأمر الذي سيسهّل ملاحقته والإطباق عليه.
وهناك من يعتبر انّ سلامة سيخرج من مكتبه مزنّراً بحزام من الأسرار الناسفة، وهو قد يفجّره بنفسه وبالآخرين، إذا شعر أن لا أمل له بالنجاة.
والظاهر، أن لا مفرّ من ان يتولّى النائب الأول للحاكم وسيم منصوري صلاحيات سلامة يعاونه النواب الآخرون، على رغم انّ مخاضاً عسيراً يسبق هذا الانتقال لمقاليد السلطة النقدية في أصعب ظرف يواجه لبنان.
وبمعزل عن الحسابات الكامنة خلف بيان النواب الأربعة للحاكم وحقيقة مراميه بعد تلويحهم بالاستقالة، فإنّ هناك من يلفت الى انّ الرئيس نبيه بري استطاع بحنكته ان يحوّل مسألة استلام منصوري (القريب منه) صلاحيات حاكم البنك المركزي، مطلباً عاماً وضرورة وطنية، إلى درجة انّ معظم القوى الداخلية باتت تلحّ على بري، وبعضها يخاصمه سياسياً، بوجوب ان يتولّى منصوري هذه المهمّة، ما منح الاخير مسبقاً، غطاء واسعاً وخفّف عنه وعن مرجعيته السياسية وطأة المسؤولية الثقيلة.
أما الأهم في ظلّ حالة انعدام الوزن، فهو مصير توازنات البلد الآخذة بالتفكّك والتحلّل بفعل تمدّد “أسيد” الشغور من مؤسسة رسمية الى أخرى.
ويبدو واضحاً أنّ المسيحيين هم حتى الآن الضحية الأكبر لهذا الخلل “المعدي”، إذ بعد شغور رئاسة الجمهورية التي يشغلها الموارنة، ها هو منصب حاكم البنك المركزي العائد إليهم ايضاً، يخلو بدوره من دون التمكن من تعيين حاكم أصيل، فيما بدأ شبح الفراغ يحوم كذلك حول موقع قائد الجيش الماروني بحكم أنّ ولاية العماد جوزف عون تنتهي في كانون الثاني المقبل.
لكن البعض يلفت في المقابل الى وجود جزء مليء ولو صغير في الكوب الفارغ، ذلك انّ الشغور القسري كان دافعاً إلزامياً لإجراء نوع من المداورة او الإلغاء المؤقت للطائفية في مراكز الفئة الأولى، بحيث حلّ ضابط مسيحي (اللواء الياس البيسري) في قيادة الأمن العام مكان اللواء عباس ابراهيم الشيعي، فيما يستعد النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري الشيعي لاستلام مهام رياض سلامة المسيحي، ولو انّ موقع مدير الأركان في الجيش غير شاغر، فإنّ الضابط الدرزي هو الذي يملأ مكان القائد جوزف عون المسيحي في حال لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية حتى ذلك الحين.