/محمد حمية/
لم يُوفّق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون باقتراحه عقد طاولة الحوار الوطني، فـ”مبادرته الوطنية” تم اجهاضها ووأدها وهي لم تبلغ مرحلة “الجنين” في “أحشاء العهد”، بعدما اصطدمت بجدار سميك من المصالح والحسابات السياسية والانتخابية لمختلف الأطراف، وخلط الأوراق قبل الانتخابات النيابية، لا سيما خصوم العهد الذين ينتظرون على رأس التلة بفارغ الصبر، ليروا “جثة العهد” وهي تمُر أمامهم في النهر، وهم الذين نعوا عهد عون باكرًا، ويشيحون بطرف بصرهم إلى عهد جديد علّهم يأتون بعهد آخر، بعدما تفرز الانتخابات أغلبية نيابية وفق ما يشتهون ويطمحون.
بيد أن العناوين التي طرحها رئيس الجمهورية على بساط الحوار، الاستراتيجية الدفاعية واللامركزية الموسعة وخطة التعافي المالي، تشكل “زنار نار” الأزمات الذي يحّرُق البلد بألسنته، وهي المدخل في آن لإعادة النهوض الاقتصادي والاستقرار السياسي في لبنان، لكن كان يُمكن لـ”الجنرال” أن يسلك الطريق الأسهل والأقصر لبلوغ الأهداف، وتجاوز الألغام السياسية، والقنابل الموقوتة المزروعة على درب “جلجلة” الحوار الوطني الطويل، الذي لم ينزع فتيل الانفجار، ولا حل القضايا الخلافية في تجاربه السابقة عبر طاولتين للحوار الوطني عقدهما عون خلال ولايته.
كان يمكن لرئيس الجمهورية إزالة العقدة الكأداء من أمام انعقاد مجلس الوزراء، المتمثلة بأداء المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، وبذلك يحقق جملة أهداف يرمي اليها في عناوين الحوار: في مجلس الوزراء تُقر الموازنة، ومشاريع القوانين، وعشرات المراسيم المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والمالية وحياة المواطنين اليومية، والتي تنتظر اجتماع الحكومة، بعدما رفض عون توقيع المراسيم الاستثنائية. كما يمكن إقرار خطة التعافي المالي والإصلاحات المطلوبة، لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فضلًا عن اتخاذ إجراءات اقتصادية وأمنية، لتطويق “قنبلة” الدولار، التي انفجرت وتطايرت شظاياها، لتصيب مختلف القطاعات.
المطلعون على الوضع السياسي الداخلي، ينتقدون أداء ومنهجية العهد، الذي يلجأ إلى “الطلقة الأخيرة” بعدما استنزف واستنفد ذخيرته طيلة السنوات الخمس من ولايته الرئاسية. أما اليوم، فقد صار في وادٍ والآخرين في وادٍ، من الخصوم والحلفاء، وحتى حليفه حزب الله لم يستطع اسعافه بالمونة على حلفائه المشاركة في الحوار، كحال رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فيما رئيس المجلس النيابي نبيه بري “إجر لقدام وإجر لورا”، فجميعهم يُعدّون العدة والسلاح لخوض معركة الانتخابات المصيرية، فـ”الجمل بنيّة والحمّال بنيّة والحِمل بنيّة”، و”النهر الذي لم يستطع حمل أعشابه في بدايته لا يستطيع حمل أخشابه في نهايته”، كما يقول المثلان الشعبيان.
رئيس الجمهورية، ومنذ بداية عهده، لم يضع إصبعه على جرح الأزمات القابلة للتفجير والاشتعال، لينزع صواعقها بحوار وطني موسع يناقش القضايا المصيرية، ولا يختمه إلا بنتائج عملية، بل فضل التسوية والمسايرة والمهادنة مع الخصوم، حتى تراكمت المشاكل والعقد الى حدود الاستعصاء السياسي والدستوري، ووصلنا الى نقطة اللاعودة، وعندما وصل العهد وتياره الى نقطة الاحراج الشديد، لجأ إلى الحوار لخدمة أهدافه السياسية، وإنقاذ مصيره وتبييض صورته، وليس خدمة للمصلحة الوطنية، فأراد رمي كرة النار الى ساحة الآخرين، وتحميلهم المسؤولية.
في المقابل كان يمكن للأطراف السياسية المعارضة لدعوة الحوار، أن تتعايش وتتساكن مع العهد في الشهور العشرة الأخيرة، وتلاقيه في منتصف طريق الحوار، وتفصل بين موقفها من العهد وخلافاتها السياسية معه، وبين مشاركتها في الحوار الذي يتيح لها ابلاغ رئيس الجمهورية بآرائها واقتراحاتها، للتخفيف من حدة الأزمات وتأخير لحظة الانهيار الشامل والارتطام، من خلال إقناعه بنزع عقدة “بيطار” وانعقاد مجلس الوزراء، ولا يستطيعون التبرؤ من “دم الصديق” وإلباس عون التهمة وهم مسؤولون عن قتل البلد بالتكافل والتضامن، ولا يمكن أن يديروا ظهورهم لفكرة الحوار والقفز من “سفينة الوطن” وتركها تتخبط بالرياح والعواصف وتصارع الغرق والموت، والبحث عن مصالحهم في مكان آخر.
لكن المقاطعين، وإن لم يُفصِحوا عن نواياهم، فهم أرادوا بمقاطعتهم للحوار تصفية الحسابات مع العهد، وتسديد آخر الضربات، فهل أطقوا رصاصة الرحمة على رأسه؟