| خلود شحادة |
هل تكون “الثالثة ثابتة” في مزايدة تلزيم قطاع البريد في لبنان؟
محاولتان سابقتان باءتا بالفشل لمنح المزايدة إلى تحالف شركتي”Merit invest” و”Colis Privé” الفرنسيتين، واللتين يملكهما رجل الأعمال من أصل لبناني رودولف سعادة الذي كان حصل سابقاً من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على تشغيل محطة الحاويات في مرفأ بيروت، عبر شركةCMA-CGM .
المفارقة أن رودولف سعادة يملك الشركتين المتحالفتين المتقدمتين للمزايدة. فهو يملك الشركة الأولى التي تملك الشركة الثانية!
الواضح أن هناك توجّهاً لمنح “متعهّد الجمهورية” الجديد رودولف سعادة، امتياز الحصول على مزايدة البريد، وهو ما سمح سابقاً بصدور أصوات تتّهم الرئيس ميقاتي، ومعه وزير الاتصالات جوني القرم، بأنهما يريدان أن ترسو المزايدة على شركة رودولف سعادة، وقد طرحت أكثر من جهة أسئلة كثيرة حول علاقة ميقاتي نفسه بشركة CMA-CGM وما إذا كانت هناك شراكة أعمال بينه وبين سعادة، خصوصاً أن ميقاتي كان يمتلك شركة تدير محطة الحاويات في مرفأ طرابلس ويتردد أنه “باعها” إلى سعادة، تماماً كما فعل بالنسبة لحصته في بنك “عودة” وكذلك بالنسبة إلى حصته في شركة “ليبان بوست”، ببيعهما إلى مجموعة “سردار” التي أصبح شريكاً فيها بما يملكه من أسهم في “عودة” و”ليبان بوست”، وهي الصيغة نفسها التي اعتمدها بالنسبة إلى شركة الاتصالات التي كان يمتلكها في أفريقيا.
لكن بعض المشككين، يتهمون ميقاتي بأنه ينفّذ “الأجندة” الفرنسية التي تريد الحصول على العديد من القطاعات في لبنان، حيث أن عينها كانت على التنقيب عن النفط والغاز وعلى المرفأ والمطار والكهرباء والاتصالات والبريد، إضافة إلى قطاعات أخرى، وهي حصلت على التنقيب من خلال شركة “توتال” وعلى المرفأ جزئياً وتعمل للحصول على البريد وامتيازاته بينما يكاد يكون محسوماً أنها ستحصل على إدارة الكهرباء عبر الفرع الفرنسي من شركة جنرال موتورز الفرنسية.
وبالعودة إلى مزايدة البريد، فإن فضّ العروض للتلزيم الذي يحصل اليوم، قد يتعرّض للطعن أمام مجلس شورى الدولة بسبب مخالفات كبيرة وجوهرية في دفتر الشروط الذي وضعته وزارة الاتصالات، وكانت هيئة الشراء العام قد طلبت إلغاء المزايدة السابقة بسبب ما تعتريه من ثغرات فاضحة، لكن التعديلات التي حصلت أبقت على بعض البنود المبهمة، وكذلك بنوداً ليست في صالح الدولة اللبنانية، فضلاً عن شرط يكاد يكون تعجيزياً على معظم الشركات، والذي ينص على أنه “لا يجوز أن يقل الحد الأدنى من الرأس المال (المدفوع) في خلال ثلاثة أشهر من التأسيس وطوال مدة العقد عن 10٫000٫000 د.أ (عشرة ملايين دولار أميركي (Fresh”، وهو ما يحصر المزايدة فعلياً بشركة رودولف سعادة، علماً أنه عند تسجيل شركة مغفلة لبنانية لدى السجل التجاري يتوجب أن يكون رأس المال بالليرة اللبنانية، وبالتالي لا يستطيع السجل التجاري أن يطبق معيار الـ”Fresh” بالنسبة إلى رأس المال.
وكان رئيس هيئة الشراء العام جان العلية قد وضع 7 ملاحظات على دفتر الشروط، بعضها يتعلق بمؤهلات وخبرة العارضين وكفاءتهم. إلا أن الوزارة أسقطت الملاحظة القائلة بضرورة أن تكون الشركة المتقدّمة “شركة بريد”، أي تمتلك خبرة في تشغيل المرفق العام على صعيد بلد أو مقاطعة. ومن باب شعار “توسيع المنافسة”، سمحت الوزارة للشركات الحاملة لتراخيص نقل مواد المراسلات، الطرود البريدية، الطرود أو الرزم الصغيرة، المشاركة في هذه المزايدة. أي أن أي شركة تقوم بهذه الأعمال قادرة على الفوز بالمزايدة لأن الشرط لم يعد مقتصراً على شركات البريد الكبرى أو شركات البريد الوطنية.
“توسيع المنافسة” هذا بدا وكأنه وُضع لكي يناسب تحالف شركتي”Merit invest” و”Colis Privé” الفرنسيتين، الذي خسر المزايدة السابقة وهناك إصرار على تهيئة كل الظروف لفوزه بالمزايدة.
كما أن دفتر الشروط الذي وضعته وزارة الاتصالات لم يراعِ مصلحة الدولة في تحديد ما تحصل عليه من الشركة، حيث حدّدت نسبة مئوية تعادل 10% فقط من الأرباح وليس من العائدات، تبقى ثابتة في السنوات الثلاث الأولى وترتفع 0.5% من بداية السنة الرابعة لغاية نهاية السنة السادسة، ثم 0.5% أخرى حتى انتهاء العقد في السنة التاسعة.
وهنا تبرز تجربة الدولة مع شركة “ليبان بوست”، حيث لم تحصل منها الدولة على أي عائد يذكر بسبب الاعتماد على نسبة الأرباح، وهو ما كشفه تقرير ديوان المحاسبة الذي أكد استغلال شركة “ليبان بوست” منذ العام 1998 لقطاع البريد ووضع يدها على أرباح الدولة. فالشركة لم تحقق منذ توليها إدارة قطاع البريد إيرادات للدولة اللبنانية بأكثر من 1.5 مليار ليرة فقط، في حين حققت الدولة ايرادات من قطاع البريد في عام واحد فقط يسبق “ليبان بوست” عام 1997 نحو 7.8 مليار ليرة أي قرابة 6 أضعاف ما حققته “ليبان بوست” على مدار سنوات.
وقد تضمّن دفتر الشروط عدة لوائح منها الخدمات البريدية فئة أولى التي تخضع لنسبة 10%، في حين أن الخدمات البريدية فئة ثانية أضيفت عليها تكلفة النقل والمصاريف، ما يعني أنها ستُحسم من حصة الدولة، كما في تجربة “ليبان بوست”.
كما تضمّن دفتر الشروط المُعدّل أيضاً، لائحة تحمل اسم “خدمات غير بريدية غير حصرية” لن تستفيد الدولة من إيراداتها بحجة أن “هناك عدة شركات تقوم بهذه الخدمات في لبنان ولا تقبض منها الدولة”.