/ محمد حمية /
على إيقاع الخلافات السياسية المستحكمة بالمعادلة الداخلية، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى معدلات قياسية، سجل ملف مقاضاة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تطورات جديدة وخطوة نوعية، تمثلت بإصدار المدّعية العامّة الاستئنافّية في جبل لبنان القاضية غادة عون، مذكرة منع سفر، بحراً و براً وجواً، بحق سلامة، بناءً للشكوى المقدمة من الدائرة القانونية لمجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام”، ممثلة بالمحاميين هيثم عزو وبيار الجميل ومحامين آخرين.
وتأتي هذه الخطوة بعدما كثُر الحديث عن مصير سلامة في الآونة الأخيرة، في ضوء التجاذب والمماطلة اللذين يشهدهما ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وبالتوازي مع انهيارات مالية واقتصادية متلاحقة، واقتراب مصارف عدة من شفير الافلاس، وغضب يسود أوساط المودعين جراء الخسائر التي يتكبدونها بسبب التعاميم التي يصدرها مصرف لبنان، والتي تهدف الى سد الفجوة المالية المُقدّرة بعشرات مليارات الدولارات، قبيل انطلاق عملية التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وسائر المؤسسات الأخرى.
فما هي حقيقة المعلومات في هذه القضية؟ وهل ستنفذ مذكرة منع السفر؟ وعلى ماذا استندت؟ وهل سيصل التحقيق الى خواتيمه ويجري توقيف سلامة ومقاضاته؟ أم أن القضاء سيقف كما جرت العادة عند حدود السياسة؟
مصادر مطلعة على الملف أشارت لموقع “الجريدة” إلى أن المعلومات التي قدمتها مجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام” الى النيابة العامة “معزّزة بوثائق ومستندات، منها مستقاة من احدى الدول الأوروبية ومصارف كبرى تم التعاون معها خلال الفترة الماضية، كُلّها تؤكد جرائم واضحة ارتكبها سلامة منصوص عليها في قانون العقوبات، كالإثراء غير المشروع، وتحويل الاموال الى الخارج بطرق غير شرعية ومشروعة. وقد تسلمت النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان هذه المستندات أمس وقررت فتح تحقيقاً فورياً وارتأت بعد اطلاعها على المستندات اصدار مذكرة منع سفر كون المعلومات خطيرة جداً ولا لُبس فيها”.
وتوقعت المصادر أن تعين القاضية عون جلسة لاستجواب الحاكم سلامة حول هذه الملفات خلال الأسبوع المقبل. وتعتقد المصادر أن “ما تسلمته عون خطير جداً، وسيقلب الموازين ويحسم مسار القضية”، كاشفة أيضاً أن “عون تسلمت 80 مستنداً يضمّ 6 آلاف صفحة لا يمكن انكارها، وتتركز الجرائم على التلاعب بأرقام الموازنات، وتضليل الحكومات، ومخالفة قرارات المجلس المركزي ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، وتغيير ارقام الخسائر المالية، واحتياطات مصرف لبنان، والهندسات المالية مع المصارف”.
أما القضية المحورية التي تشكل فضيحة الفضائح، برأي المصادر، فتتمثل بقيام مصرف لبنان مطلع العام 2020 بمنح عدد من المصارف مبلغ 6 مليارات دولار “فريش” على شكل قروض، وقد أعادت هذه المصارف تسديدها على سعر 1500 ليرة لبنانية للدولار، أو بما يسمّى لولار، أي دولار رقمي”. ولفتت المصادر عينها إلى أن القاضية عون عقدت جلسةً مع مدير الشّؤون القانونيّة في مصرف لبنان بيار كنعان، بحضور المحاميَين عزو والجميل، كما استجوبت مسؤولين كبار في مصرف لبنان وبعض المصارف. وأكدت المصادر أن النيابة العامة عممت على الاجهزة الامنية المذكرة، لا سيما الامن العام الذي تبلغ بها وسيعمل على تنفيذها، وبالتالي بات سلامة ممنوعاً من السفر حتى اجراء التحقيقات معه واثبات براءته.
وكشفت المصادر عن دعاوى سابقة تقدم بها محامون، أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت الرئيسة لارا عبد الصمد، ودعاوى أخرى على سلامة، أفضت الى الاستحصال على قرار بالحجز على أملاكه ومنع التصرف بها من دائرة تنفيذ بيروت ومن 13 مصرفاً في البقاع.
لكن أوساط سياسية تربط ما بين قرار القاضية عون وتحريك الدعوى، وبين توجه رئاسي للضغط على سلامة، الذي يتهمه “التيار الوطني الحر” باستخدام سلاح الدولار للضغط على العهد وتضييق الخناق عليه بالتعاون مع خصوم العهد لأهداف سياسية، لافتة الى “طبقة سياسية مؤلفة من خصوم العهد السياسيين يؤمنون الغطاء السياسي لسلامة، اضافة الى طبقة مالية تتضمن مصارف كبرى وشركات ورجال أعمال، اضافة الى الغطاء الخارجي المتمثّل بالولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج، كون سلامة ينفذ كافة السياسات الخارجية في لبنان”.
تختم الأوساط لـ”الجريدة” بالقول “إنه ليس من السهل ادانة سلامة ومحاكمته واقالته من منصبه”. وتخوّفت أن يتسبّب فشل هذه المواجهة بارتفاع إضافي في سعر صرف الدولار أكثر بعد هذه الخضة القضائية – المالية.