/ غاصب المختار /
خلصت اجتماعات الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لو دريان في اليوم الماراتوني الطويل أمس، إلى ثلاث عقبات وربما إستحالات تأكدت لديه بالملموس، أولها أن الإنقسام السياسي بين الأحزاب اللبنانية ما زال قائماً، بل وحادّاً إلى درجة استحالة التوافق بينها، ولا حتى بطاولة حوار سياسي. وثانيها أن تعدد المرجعيات السياسية والولاءات أمر يستحيل معه التفاهم. وثالثها أن هناك أجندات مختلفة داخلية وخارجية متضاربة، بحيث يستحيل التوفيق بينها إلا بمعجزة سياسية دولية كبيرة غير متوافرة حالياً.
بالمقابل، خلص بعض من التقى لودريان، إلى أنه بالدرجة الأولى سعى إلى “تبييض صفحة” فرنسا مع العديد من القوى السياسية، لا سيما المسيحية منها، التي إعترضت على المسعى الفرنسي لحل أزمة الشغور الرئاسي وأحبطته، عبر رفض “صفقة أو تسوية” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل نواف سلام رئيساً للحكومة، مع برنامج إصلاحات شاملة إدارية واقتصادية.
ولاحظت مصادر نيابية التقت لودريان، أنه عملياً لا يملك رؤية أو خطة للحل، بل أجرى “جولات تشاور” لا أكثر.
وقالت المصادر لموقع “الجريدة”، إنه لم يقدم لودريان شيئاً جديداً مهماً “له طعمة”، وإنه بعد الحملة التي قامت ضد فرنسا بسبب ما يصفه أركان المعارضة “تحيّزها” للمرشح سليمان فرنجية، جاء لتهدئة الوضع وليقول للمعارضين “إذا كنتم لا تريدون فرنجية رئيساً هاتوا مالديكم من اقتراحات حلول لنبحثها سوياً لإنهاء الشغور الرئاس”.
وأضافت المصادر أن كلام لودريان لا يعني أن حظوظ فرنجية بالوصول إلى سدة الرئاسة انتهت، أو أن لدى فرنسا مرشحاً جديداً، بل يعني أن فرنسا عادت لتحاول أن تلعب دور “الوسيط النزيه” المستمع لما تريده وتقرره أكثرية اللبنانيين، “وبرأينا هذا هو حجم وجوهر الحراك الفرنسي الجديد”.
يغادر الموفد الفرنسي إذاً، وفي جعبته آراء متناقضة ومتضاربة، يستحيل جمعها في مبادرة أو مشروع حل. فلا الحوار مقبول من البعض، ولا التنازل عمّا تعتبره القوى السياسية “ثوابت” لديها مطروح للبحث. ولا إمكانية لجمع كل هذه التناقضات تحت قبة البرلمان متاحة في المدى المنظور، ما يؤكد المعلومات التي سبق ونشرها موقع “الجريدة” قبل نحو شهر، أن لا رئيس جمهورية قبل شهر أيلول المقبل، إذا تهيّأت الظروف السياسية الداخلية والخارجية للحل، وإلّا قد يطول الشغورالرئاسي أكثر وإلى “حدود السنة أو إلى نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي”، كما نقلت بعض المصادر أمس عن لودريان.
ولعلّه من المفيد العودة إلى التصريحات الأميركية الأخيرة الداخلة على خط المسعى الفرنسي، والتي أحبطت أي تسوية لا توافق عليها واشنطن، ليتضح أن التعقيدات الخارجية اللازمة لا تقل عن التعقيدات اللبنانية، بالتوازي مع الكلام المنقول عن لودريان بأن العالم كله منشغل الآن عن لبنان.