/ جورج علم /
منح 14 حزيران، سليمان فرنجيّة، 18 صوتاً مسيحيّاً. ويعتبر ميثاقيّاً، وفق الصيغة الطائفيّة، بخلاف جهاد أزعور الذي لم يحظ بأي صوت شيعي. قد تكون الملاحظة من نتاج النكد السياسي، كون المجلس لم ينتخب البرنامج الإنقاذي، بل انتخب الكيديّة، وعلى قاعدة “بييّ أقوى من بيّك”، وخرج كلّ طرف من الجلسة ليعلن الغلبة، ويؤكد بأن مرشّح فريقه هو من انتصر على مرشح الفريق الآخر.
أراد الرئيس نبيه برّي أن يصحّح، فقال إن المجلس هو المنتصر، وقد اجتاز “قطوعاً كبيراً”. بقي معرفة نوعيّة هذا “القطوع” طالما أن الإنقسام هو الفائز، وهو صاحب الكلمة الفصل. 12 جلسة، ولا رئيس. 12 محاولة، تنتهي بضربة مطرقة. فُقد النصاب. رُفعت الجلسة… والأصح فُقدت الصلاحيّة! مجلس لا يستطيع انتخاب رئيس للجمهوريّة، يعني أنه لا يستطيع أن يضع مصلحة الوطن فوق مصلحة الطائفة، أو الحزب، أو الكتلة. ولا يستطيع أن يتحزّب للدستور، بل للإجتهادات الدستوريّة التي تأتي غبّ الطلب، وفقاً لمآرب فئويّة، وتحقيقاً لمكاسب يريدها البعض لفرض غلبة على سائر المكونات الأخرى، وفرض خيارات تتناغم مع سياسات ناشطة في الإقليم.
والبعض هذا، ديمقراطي، منفتح، يدعو إلى الحوار، لكنّه يجابه بالرفض، لأن الدعوة مشروطة، “نريد رئيسا لا يطعن المقاومة بالظهر”، و”المقاومة”، بنظر الرافضين، مجرّد عنوان لإشكاليّة كبرى نمت، وتمددت، لتهزّ الأساسات التي قام عليها الكيان، وتخلّ بالتوازنات ما بين المكونات، كونها حصريّة بفئة إرتبطت بمشروع إقليميّ، وجاهرت علنا بإزدواجية الولاء، وتمكّنت من تحقيق هدفين: الحصول على السلاح لخدمة المشروع، وتحويل لبنان الى منصّة.
وحجّة الرافضين، أن إنتخاب الرئيس لا يحتاج إلى حوار، بل إلى تطبيق الطائف الذي ولد نتيجة حوار، وتحوّل إلى دستور، فليطبّق الدستور بكامل مندرجاته، وليس فيه ما ينصّ على حصريّة السلاح بفئة، وطائفة، بل بالدولة، ومؤسساتها الأمنيّة الشرعيّة. في رأي الرافضين أن الذي حصل هو أن فئة قد تحوّلت بفضل السلاح إلى فائض قوّة، واستفادت من النظام الطائفي، لتنتزع من الدولة قرار السلم والحرب، وتتحوّل إلى دويلة لها مؤسساتها القادرة على توفير الإكتفاء الذاتي. لذلك لا يمكن القبول بمعادلة “رئيس يحمي ظهر المقاومة… وتفضلوا إلى الحوار”، أو “الدويلة، تسعى إلى الحوار مع الدولة حول ما تريد، وما يحمي ظهرها!”.
وحجّة الرافضين، أن الحوار يحتاج إلى جدول أعمال، فأين هو؟ وماهي بنوده؟ ولماذا لا يبادر دعاة الحوار إلى الإعلان عن مكوناته صراحة، ومخاطبة الرأي العام، وإطلاعه على المواضيع التي سيتناولها، وهل هي محصورة بمواصفات الرئيس، إسمه، ولونه، ووزنه، وطوله، وعرضه، ومؤهلاته… أم المطلوب إستدراج المكونات الى الطاولة، ومن ثمّ التوغّل إلى “المؤتمر التأسيسي”، وفرض “المثالثة” في النظام، وإحداث تعديلات جوهريّة في بنية المؤسسات، وتغيير هويّة البلد الإقتصاديّة والسياسيّة تحت عنوان “نحو الشرق در”!
وحجّة الرافضين للحوار، أن فائض القوّة في الداخل، هو فائض قوّة في الخارج، يستمد المنشّطات، ويدوزن القرارات، والخطوات غب الطلب، بدقة، ومهارة. وما هو متوافر له، غير متوافر لغيره نظراً للمتغيرات المتسارعة في الإقليم، والتي لم تفض بعد إلى وضوح يمكن البناء عليه، والدليل أن اللقاء الخماسي لم يقدم عرضاً جديداً، هناك الكثير من الإتصالات، والمشاورات، والكثير من التحليلات والتوقعات، ولكن لا طحين بعد من كل هذا الضجيج. حتى الكلام الذي استبق لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان طافحاً بالتفاؤل، مثقلاً بالتوقعات الورديّة، غنيّاً بالخطط، وخرائط الطرق، والسيناريوهات، لكن الموضوعيّة كانت في مكان آخر، تقضي بالتروي، والهدوء، لمعرفة ما تمّ التفاهم حوله، ومدى القدرة على وضعه موضع التنفيذ.
وحجّة المعترضين هنا، أن الثنائي الفرنسي ـ السعودي قد هضم الأيام، وما تختزن من نوائب، وتحديات، وتمكّن من الصمود، والثبات، والتقدم، لكن غيثه لم يبلغ الحدائق الذابلة، والدليل أن البطريرك بشارة الراعي قصد “الأم الحنون” قبيل إنعقاد القمّة الثنائيّة، ليشكو سيّد قصر الآليزيه من قلّة “الحنان” التي تشمل مكوّناً أساسياً لدولة لبنان الكبير. كما قصد ـ بالمقابل ـ الكثير من العقلاء، الرياض، ودارة السفير وليد البخاري، ومعهم الكثير من علامات الإستفهام حول المصير الذي آل إليه مكوّن أساسي في بناء لبنان، نتيجة السياسة المتبعة، والتي دفعت ببعض سفراء الدول العربيّة إلى الإستفسار جهاراً حول موقع الطائفة السنيّة من جلسة 14 حزيران، لا بل موقعها الطبيعي الفاعل والمؤثر في كل المنعطفات المصيريّة، ضمنها الإستحقاق الرئاسي، وما يدور تحت عباءته من طروحات وخيارات.
كانت جلسة 14 حزيران، بنظر دبلوماسييّن عرباً أشبه بحلبة منازلة بين أكثريّتين: مسيحيّة وشيعيّة. لكن السؤال كان حول الأكثريّة السنيّة، ما دورها؟ لا بل أين هي الآن؟ وهل لا تزال تشكّل الكتيبة المؤلّلة المكلّفة بالزود عن الطائف؟ وهل لا يزال الطائف المرجع، والحامي، وصاحب الزمان والمكان والحضور والفعاليّة، أم تحوّل إلى مظلّة واهية يحتمي بها مكوّن يمتلك صلاحيات مطلقة بمصادرة قرار الحرب والسلم؟
وحجّة الرافضين للحوار، أن فرنسا “الأم الحنون” يهمّها لبنان من زاوية مصالحها، لا من زاوية الموارنة والمسيحييّن. وأن السعوديّة لا تريد حواراً بديلاً عن الطائف، ولكن الطائف قد كبّد أهله، وحماته، دماء، وشهداء، من دون أن يرضي نزوات الآخرين!