/محمد حمية/
لم يبرد جرح “طعنة” المجلس الدستوري بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، حتى يدهمهما مرسوم العقد الاستثنائي لمجلس النواب.
فالعلاقة المثقلة بالملفات الخلافية بين قصري الرئاستين الأولى والثانية، لم تُنفّسها مكالمة هاتفية. عاد الخلاف ليعصف بينهما بعدما “سمّم” عون عسل المرسوم الذي يشتهيه بري بتحديد مدة العقد، وبرنامجه أيضاً، ما استفز رئيس البرلمان ودفعه للضرب على الطاولة بمطرقته: “المجلس سيد نفسه”… “كيف يكون المجلس كذلك ومؤسسات دستورية أخرى تحدد له برنامج جلساته التشريعية؟”. يتساءل مقربون من رئيس المجلس.
وعلى جري العادة، ينقسم السياسيون، ومعهم القانونيون والدستوريون، حول تفسير مواد الدستور. فالرئيس بري يعتبر أن المجلس هو الذي يحدد الاقتراحات ومشاريع القوانين التي سيناقشها، فيما تؤكد بعبدا أن العقود العادية تختلف عن العقود الاستثنائية وفق المادة 33.
ماذا يقول الدستور؟
تنص المادة 33 من الدستور على أنه “لرئيس الجمهورية، بالإتفاق مع رئيس الحكومة، أن يدعو مجلس النواب إلى عقود إستثنائية بمرسوم يحدد إفتتاحها واختتامها وبرنامجها”.
لكن هل يعني ذلك أن مجلس النواب لا يستطيع اضافة بنود جديدة على البرنامج؟
فيما تعتبر أوساط “التيار الوطني الحر”، لموقع “الجريدة”، أنه “لا يحق لهيئة المكتب الاضافة على برنامج مرسوم العقد، توضح أوساط “كتلة التنمية والتحرير”، لـ”الجريدة”، أن “رئيس الجمهورية يحدد، مع رئيس الحكومة، البرنامج الذي تريده السلطة الاجرائية من الدورة الاستثنائية، وهيئة مكتب المجلس هي التي تحدد الاقتراحات والنصوص التي تطرحها على المجلس”.
وترى أوساط “التنمية والتحرير” أن “الخلاف مفتعل من قبل الرئاسة الاولى، عبر استفزاز رئاسة المجلس بتجاوز صلاحياتها، وتضمين المرسوم سلسلة مشاريع واقتراحات قوانين جاء أغلبها وفق روزنامة التيار الوطني الحر، وهذا مقصود للرد على العريضة النيابية التي أعدها رئيس المجلس التي أجبرت رئيس الجمهورية على توقيع المرسوم”.
وتضيف الأوساط: “يريد رئيس الجمهورية، والنائب جبران باسيل، الايحاء للمسيحيين بأن عون يستعيد صلاحية الرئاسة وحقوق المسيحيين، وأنه يستطيع أن يغيّر الصلاحيات، بالممارسة”.
وتكشف أوساط “التنمية والتحرير” أن هيئة مكتب المجلس ستجتمع خلال الأيام القليلة المقبلة، وستضيف الاقتراحات والقوانين على البرنامج الذي حدده العقد.
لكن ماذا لو قاطع النائب آلان عون، العضو الوحيد في هيئة المكتب الذي يمثّل “التيار الوطني الحر”؟
لا ترى المصادر أي اهمية لذلك. فهيئة المجلس مكونة من مختلف الأطراف السياسية، ولا تقف عند حضور طرف واحد، ولا ميثاقية في الهيئة.
الخبير الدستوري سعيد مالك يوضح، لموقع “الجريدة”، أن نص المادة واضح ولا لُبس فيه، “في العقد العادي، هيئة مكتب المجلس تحدد جدول الأعمال، سنداً للمادة ٨ من النظام الداخلي لمجلس النواب. أما في العقد الإستثنائي، فمرسوم الدعوة هو الذي يحدد جدول الأعمال”. إلا أن مالك يؤكد بأنه “يمكن لهيئة مكتب المجلس إضافة ما تراه مناسباً من بنود، لكن ضمن ما يتضمنه مرسوم الدعوة من مواضيع.
وبالعودة الى مضمون العقود السابقة التي وقعها عون، تظهر بأنها لم تتضمن هذا التفصيل في بنود برنامج العقد الأخير. ففي حزيران الـ2019، اقتصر مضمون العقد الاستثنائي الذي وقعه عون والرئيس حسان دياب على “مشروع الموازنة ومشاريع القوانين المحالة الى مجلس النواب، والتي ستحال اليه، وسائر مشاريع القوانين والاقتراحات والنصوص التي يقرر مكتب المجلس طرحها على المجلس”. ما يدعو للتساؤل عن سبب استرسال عون في برنامجه المثقل بالبنود، حيث لم يترك مجالاً لهيئة مكتب المجلس بأن تستنسب باختيار بنود أخرى.
ويشير المطلعون على العلاقة بين بعبدا وعين التينة، لموقع “الجريدة”، الى أن “الكباش الحاصل بين عون وبري، ظاهره دستوري، فيما باطنه سياسي”، والقضية ليست “رمانة”، إنما “قلوب مليانة”، والكأس فاضت بالخلافات التي ستستعر كلما اقتربنا من موعد الانتحابات النيابية.
فمن مصلحة عون وباسيل التصويب على الرئاسة الثانية لأهداف سياسية وانتخابية، كما يبحث عون “بالفتيلة والسراج” في نصوص الدستور عن صلاحيات مضى عليها الزمن لقلة استخدامها، لتغيير الدستور بالممارسة، إن لم يستطع ذلك بالنص من خلال تعديل الدستور”.
وتربط المصادر بين تشدد عون بتطبيق مواد دستورية، وبين طرحه “اللامركزية الادارية والمالية الموسعة”، ما يحمل محاولة مستترة، لكن مفهومة، لتعديل الطائف.