جان إيف لودريان

“رواية” فرنسية حول لبنان.. بأبجدية عربية.. وتنسيق إيراني ـ أميركي!

/ جورج علم /

اكتبوا لنا الرواية، فنحن شعوب تهوى القصص المسلّية في ليالي السمر، وترفض استخلاص العبر.

اكتبوا لنا النهاية، فنحن شعوب نهمة، تريد سريعاً معرفة المنتصر.

جلسة 14 حزيران، مجرد عنوان للغز كبير. نريد الرواية كاملة، من يكتبها؟ من ينسّق فصولها؟ ومن تراه البطل؟

حتى الآن، تحليلات واجتهادات، حول “التقاطع”، و”مرشح التحدي”، و”اليد الممدودة”، و”التوافق”، وأشياء أخرى من هذا القبيل… لكن أين الرواية الحقيقة؟ ومن يكتبها؟ ومن هو البطل؟ فهذه مجرّد تمنيات، لا تكتمل عناصرها إلا على مسرح 14 حزيران، عندها تنكشف الستارة، وتسقط الأقنعة، وتتضح خيوط المسرحيّة، ويُعرف المخرج، والإخراج، والممثلون، والهواة، وهل من نهاية، وبطل؟!

كتبت “رواية الطائف” بالحبر القاني، فسقط البطل صريعا بـ 1000 كيلو غرام من المواد المتفجّرة، وسقط من حوله العشرات من المتبصّرين، وما بقي من “الرواية” شلّعتها أعاصير النكد السياسي، وبدّدت أوراقها الكيديات الطائفيّة، والمذهبيّة.

البعض يراوغ، فيقول إن الطائف لا يزال. إذا كان كذلك طبّقوه. أمسكوه من عنقه، وأدخلوه عنوة إلى قاعة 14 حزيران، وافتحوا دفّتيه، وانتخبوا رئيساً وفق نصوصه، واتركوا الدجل خارجاً. لكن عندما يحفل الخطاب السياسي، بعبارات “تقاطع” و”حوار” و”يد ممدودة” و”توافق”، فهذا يعني وكأن لا طائف، ولا دستور، ولا حتى دولة، بل “قرطة ناس مجموعين، مقسومين، مضروبين، مطروحين”!

وكتبت رواية “الدوحة” ـ بعد “الطائف” ـ وبالحبر القاني، لكنها كانت ظرفيّة، موسميّة، صيغت بأسلوب “كيفك يا خال؟ على قدّ الحال!”. اليوم هناك من يتذكرها، ويتساءل: هل من دوحة ثانية؟ وهناك من يجزم قائلاً: لا بدّ من الدوحة مهما طال السفر؟”!

“ملائكة الدوحة” تزور الديار “الداشرة”. موفد يأتي، وآخر يغادر. ورئيس مجلس الوزراء وزير الخارجيّة القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، يعلن: ” نتعاون مع فرنسا بشأن الوضع في لبنان”. أهميّة هذا الكلام، تكمن في توقيته، إذ أنه صدر بُعيد اختيار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزيرخارجيته السابق جان إيف لو دريان لكتابة رواية حول لبنان تشمل الاستحقاق الرئاسي، ومواصفات الحكومة الجديدة، والإصلاحات التي لا بدّ منها.

المؤلف الجديد أستاذ قانون. وأستاذ في العلاقات الدوليّة، وأستاذ في صياغة المخارج الدبلوماسيّة للملفات الشائكة. رافق الرئيس ماكرون إلى بيروت بُعيد تفجير المرفأ، وكان الأبرز ضمن الفريق الذي صاغ المبادرة الفرنسيّة التي عُرضت على “أمراء الطوائف” في قصر الصنوبر، في الأول من أيلول 2020.

يعرف لودريان الطبقة السياسية عن ظهر قلب، يعرف الأزمة من ألفها حتى يائها. كانت له محطّات عدّة في بيروت، ومقاربات، ووساطات، لم تؤتِ بثمار. وسبق اختياره مدّ واسع من الإتصالات التمهيديّة التي أجراها الرئيس ماكرون مع عواصم الدول المؤثّرة، من واشنطن الى طهران، ومن الرياض إلى الدوحة، ومن القاهرة إلى أبو ظبي… حتى ينطلق بالمهمة من أرض صلبة، ومن تنسيق مستمر لإيجاد مخرج متكامل المواصفات للمأزق اللبناني.

ولا يمكن عزل هذا البصيص الفرنسي الخافت في النفق اللبناني المظلم، عن الأضواء  الساطعة من الرياض. لقد كان الملف اللبناني حاضراً، بعناوينه وتفاصيله، على هامش المؤتمر الدولي الخاص بمكافحة الإرهاب. “الخماسي الدولي” كان حاضراً، وكان هناك اجتماع تشاوري لمواكبة لودريان في مهمته الجديدة. كانت السيدة باربرا ليف المهتمّة بالملف اللبناني في عداد الوفد الأميركي الذي ترأسه وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن. المستشاران الفرنسيّان حول لبنان كانا في عداد الوفد الذي ترأسته وزيرة الخارجيّة كاثرين كولونا، وقد وجّهت إلى التقاطع المسيحي رسالة مطمئنة بأن باريس ليس لديها مرشحاً محدداً لرئاسة الجمهوريّة. وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان جدّد موقف المملكة من الإستحقاق الرئاسي خلال استقباله نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب، مع إضافات حول كيفيّة الوصول إلى توافق. وحضر لبنان بقوّة مع الوفد القطري، وكان لرئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجيّة مواقف معلنة.

ويكتفي الوزير بوحبيب بتعداد الإجتماعات التي عقدها على هامش المؤتمر، من دون الخوض في التفاصيل، حرصاً منه على السريّة، في زمن التكنولوجيا، والذكاء الإصطناعي، لكن المفاجأة تبقى عنوان المرحلة.

  • مفاجأة في تعيّين فرنسي لاستلام الملف اللبناني، قبل موعد 14 حزيران، ومسرحيّة الإستحقاق بنسختها الثانية عشرة… إنه جان إيف لودريان.
  • ومفاجأة محتملة حول مسار الجلسة. هل من عصف خارجي يستدعي تأجيلها؟ أو يفرض الإستمرار بها إلى حين انتخاب رئيس، مع تهديد بعقوبات قاسيّة على من يعطّل نصاب الدورة الثانيّة؟
  • ومفاجأة تفرضها الملاءمة، والمواءمة ما بين المفردات المتداولة حالياً حول الإستحقاق، وما بين رواية التسوية، المكلف بإعدادها وإخراجها الموفد الفرنسي، بالتنسيق والتشاور مع عواصم الدول المؤثّرة.

تروّج في لبنان حاليّاً عبارات من نوع التوافق، واليد المدودة، والتلاقي، وخلافه… وتصبّ كلّها في دائرة الحوار. الحوار وحده يؤدي إلى التلاقي، وشبك الأيدي الممدودة، والتوافق. لكنّه يبقى متعذّراً، لأن المعارضة، بكتلها، وأحزابها، وأطيافها، تريده أن يؤدي الى دمج الدويلة في كنف الدولة، وأن يعود قرار السلم والحرب لمجلس الوزراء مجتمعاً، في حين أن الممانعة تريده لإستيعاب ما تبقى من لبنان في صلب مشروعها، ودمجه في صلب خياراتها الاستراتيجيّة!

قد لا يكون التعويل مفرطاً حول ما يمكن أن يتمخّض عنه 14 حزيران من نتائج إيجابيّة مفاجئة، لكن يمكن التعويل، وبمقدار لا بأس به من التفاؤل، على الرواية المكلف بصياغتها جان إيف لو دريان حول لبنان!