“الضمان” يلفظ أنفاسه الأخيرة!

/ رمال جوني/

كان يفترض أن يلتئم مجلس إدارة الضّمان الإجتماعي في الفترة الماضية للبتّ بقرار رفع تعرفة الأدوية وتسوية الرواتب والمطالبة بديون الضمان المترتبة على الدولة اللبنانية، بعدما أوصى برفع تعرفة الإشتراكات الشهرية من 500 ألف إلى 5 ملايين ليرة. ما حصل أنه لم يجتمع، ولا مؤشرات في المدى المنظور لامكانية اجتماعه، ما يضع الضمان في مهبّ الإفلاس، بكونه يلفظ أنفاسه الأخيرة. حقيقة مرّة بدأ يتلقّفها المعنيون الذين يصفون حاله بالقول “مؤجّل الدفن”.

ربمّا تكون الإعتراضات أمام مركز الضمان في النبطية وعدد من المناطق، بمنزلة جهاز إندار لما هو آت. لا تتوقف المعضلة عند دفع الحقوق والمستحقّات للموظفين. القضية أبعد من ذلك، فهي تندرج في سياق الإفلاس.

وتشير مصادر إلى أنّ “مصير الضمان معلّق بيد مجلس الإدارة التابع للضمان الاجتماعي، الذي يُعد مجلس وزراء مصّغراً، يُقرّر مستقبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”. يبلغ عدد اعضاء المجلس 26 عضواً، ويحتاج إلى مشاركة 16 ليكتمل النصاب: 10 للعمّال، 10 لأرباب العمل، و6 للدولة، غير أنه اليوم لا يتجاوز عدده الـ19 عضواً، بسبب حالات الوفاة. ولا يجتمعون إلا بالصدفة، كما تقول المصادر، الأمر الذي يبقى الضمان رهينة بيدهم، في حين لا يمكن لمدير الضمان البتّ بأي قرار”.

وتشير المعطيات إلى أنّ “الضمان الإجتماعي مصيره معلق على قرار رفع تعرفة التقديمات الإجتماعية وسداد ديون الدولة له. هذه التّعرفة لم يُصادق عليها حتى الساعة، مجلس الإدارة، الذي اقترح رفع قيمة الإشتراكات الشهريّة للمضمونين، ليصار بعدها إلى رفع تعرفة الدواء. ما حصل أن هذا المجلس لم يجتمع بعد، وإذا اجتمع لا يكتمل النصاب، ومدير الضمان لا يملك صلاحية البتّ بأيّ قرار مصيري”.

الضمان في خطر، ويتراجع حجم المنتسبين إليه، أو الذين يقدمون معاملاتهم. في النبطية وحدها، انخفضت نسبة الإستمارات من 1600 إستمارة “وصفات ومعاملات” إلى 70 في اليوم الواحد فقط.

هذا التراجع، يصفه العاملون داخل مكتب النبطية بأنه “الضربة القاضية”، فأغلب المضمونين امتنعوا عن تقديم معاملاتهم، فهم يشعرون أنهم “غير مضمونين”. والأخطر كما تلفت المصادر أنّ “هناك حديثاً بدأ يسري عن رغبة كثيرين في تعليق اشتراكهم، ما يشير إلى بداية نهاية عصر الضمان الإجتماعي”.

إذاً، ما هو مصير الضمان الاجتماعي المرتبط بمجلس إدارة لا يجتمع؟ وأي مخطّطٍ لصندوق الفقراء: الإفلاس أم الخصخصة؟ ولمصلحة من؟ لا تزال تقديمات الضمان حتى الساعة وفق سعر دولار الـ1500 ليرة، في حين يوازي سعر صرف دولار الدولة الـ94 ألف ليرة. هذا الفرق الشاسع، مهّد الطريق كثيراً للبدء بخطة نسف الضمان.

وتعزو مصادر متابعة السبب الى تفعيل حضور شركات التأمين، التي بدأت تحلّ مكان الضمان، مع حصرها بالميسورين فقط، أما المعدمون، فبات ملجأهم المراكز الصحية التي عادت إلى استعادة دورها، فلا غنى للمواطن عنها.

يلفّ حزام البؤس ضمان النبطية، واقعه مزرٍ، لا أوراق، لا كهرباء… ومع ذلك يواجه دعوى قضائية تهدّد بقاءه في مقره الحالي، بعدما رفع صاحب المبنى دعوى مطالباً بتسليمه المكاتب بعد انتهاء عقد الإيجار المبرم. وتعتبر المصادر أنّ خطوة استئجار مبنى جديد تحتاج إلى قرار مجلس إدارة، والأخير لا ينعقد ولا يبتّ.

مأساة المكتب تنسحب على كل المراكز، مع فارق بسيط وهو أنّ رئيس مركز الضمان في النبطية حسين سويد يدفع من جيبه فاتورة الإشتراك الكهربائي لتأمين سير المرفق، الذي تنحصر المعاملات فيه بدفع الإشتراكات من دون تقديمات. “هذه القاعدة انقلبت” يقول سويدان. لا تقديمات حالية بسبب ما يعانيه الضمان، حتّى حقوقنا لا نطالها، ما أدى إلى تراجع عدد الموظفين”.

يضيف: “قبل الأزمة في لبنان كان يبلغ عدد موظفي الضمان الاجتماعي 1700 موظف وعامل، هذا العدد انخفض إلى 900 موظّف فقط. معظمهم إمّا قدّم إجازات من دون راتب، وإمّا قدّم استقالته. وبين الإثنين يبقى الموظف كبش المحرقة. نعمل باللحم الحي، ولا نُحصّل حقوقنا، التي يفترض أن يبتّها مجلس الادارة، غير أنّ الأخير يتلكأ عن القيام بمهامه”.

أمام مركز الضمان في النبطية اعتصم الموظفون والعمال، رفعوا الصوت عالياً، في خطوة تحذيرية، أرادوها ورقة ضغط سلمية. ويؤكّدون أنه “ما لم يتمّ النظر بمطالبهم وتحسين التقديمات، سيتحوّل الإعتصام التّحذيري إلى إضراب مفتوح”. وهنا يتابع سويدان: “الضمان اليوم ووجودنا رهينة بيد مجلس الادارة الذي لا نعرف سبب تقاعسه عن معالجة الأمر”.

لم تلتف النقابات حول تحرّك الضمان، ولم يؤازرهم الموطنون الأكثر تأثّراً بما يحصل. ما يطرح علامات استفهام عمّن يريد إلغاء الضمان. وتختم المصادر أنّ “الدولة برمتها باتت لمصلحة شركات التأمين”، مشيرةً إلى أنّ “الطابة اليوم في ملعب رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي يُفترض أن يتدخل لوقف نزيف الضمان قبل إفلاسه”. إذا، وصل سيف الأزمات إلى آخر مؤسّسة تُعنى بالفقراء في لبنان، فهل يتدخّل المعنيون لإنقاذها؟