اردوغان واوغلو

بين أردوغان وأوغلو: أين تتّجه تركيا؟

/ زينب سلهب /

تلقى الانتخابات التركية اهتماماً كبيراً في العالم، نظراً للتأثيرات المتوقعة من هذه النتائج على مستقبل تركيا، وكذلك على موقع تركيا السياسي، إضافة إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه كدولة إقليمية لها وزنها وحضورها.

يتنافس في هذه الانتخابات الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الذي يرأس الحزب الأكبر في تركيا “حزب العدالة التنمية”، وبين زعيم المعارضة أوغلو الذي تجتمع خلفه مختلف الأحزاب المعارضة لسياسة أردوغان و”حزب العدالة والتنمية”.

منذ فوز حزبه “العدالة والتنمية” في الانتخابات التشريعية التي جرت في 3 تشرين الثاني عام 2002، استطاع أردوغان أن ينال ثقة الناخبين في كل الاستحقاقات الانتخابية اللاحقة، وهو أول رئيس تركي ينتخبه الشعب بالاقتراع المباشر، مستنداً إلى ما تحقّق في عهده من نهضة اقتصادية كبيرة في شتى المجالات.

وعلى مدار العشرين عاماً الماضية، أعاد أردوغان لتركيا حضورها في الشرق الأوسط، مستثمراً في واقعها السياسي والجغرافي.

نجح أردوغان في السير بين حقل ألغام متشابك في محيط جغرافي ـ سياسي معقد وملتهب. تورّط حيناً، وغامر أحياناً، وأقدم مراراً، و”تغيّب” عندما لا يكون بمقدوره الخروج رابحاً.

عملياً، إما أنه ربح معاركه، أو غاب عنها، أو خرج منها من دون خسائر.

تورّط في سوريا حتى أذنيه، لكنه استثمر في هذا التورّط ليمسك بطرف ورقة على طاولة التفاوض.

تصادم مع العدو الإسرائيلي، لكنه لم يقطع شعرة معاوية، وعاد مؤخراً ليستأنف علاقاته بكيان الاحتلال، بعد أن سبقته إلى ذلك دول عربية.

خاصم الأوروبيين، وعينه لم تغب عنهم أملاً في أن يكون أوروبياً، لكنه لم يقاطعهم وتعاون معهم في كثير من الملفات.

اصطدم مع روسيا، ثم حالفها بعد أن كشفت له مخطط الانقلاب عليه، ليتبيّن له أن “الحليف الأميركي” كان يريد الإطاحة به، أو بالحد الأدنى لن تمانع أميركا التخلص منه.

أمسك بناصية حلف “الناتو” ولم يخرج عليه، لكنه اقترب من صديقه الجديد فلاديمير بوتين وتعاون معه في ملفات لا تناسب “الناتو”.

وقف على خط التماس في الحرب الروسية ـ الأوكرانية، فأرسل الطائرات المسيّرة إلى أوكرانيا، لكنه بقي إلى جانب روسيا ورفض تطبيق العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على موسكو، واستطاع صياغة اتفاق الحبوب الذي يسمح بمرور الحبوب من أوكرانيا، كما أنه حافظ على اتفاق الغاز مع روسيا، وطرح مبادرات للتوسط بين روسيا وأوكرانيا.

وسط كل هذه التعقيدات التي عرف أردوغان كيفية السير بين خيوطها المتشابكة، تجري الانتخابات التركية، باعتبارها محطة تاريخية، خصوصاً أن المنافسة محتدمة بين أردوغان وبين المعارضة التي تسعى لإنهاء حقبة “العدالة والتنمية في تركيا، والعودة إلى العلمنة الشاملة، بعد أن جنح أردوغان نحو بصمات الهوية الإسلامية لتركيا.

ولشدّة المنافسة، لم يستطع أردوغان الفوز في الجولة الأولى من هذه الانتخابات، وجاءت أرقامه متقاربة إلى حدّ ما مع مرشّح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، ولم يسمح له التقدّم الطفيف في الأرقام بالفوز لأنه لم يحصل على الأغلبية (النصف زائد واحد).

في جولة الإعادة، تبدو الانتخابات التركية وكأنها مصيرية، ليس بالنسبة لأردوغان وأوغلو فقط، وإنما أيضاً لمستقبل تركيا ومسارها وطبيعة نظامها السياسي وتحالفاتها وعلاقاتها وحضورها ودورها…